المقدمة:

النزاع في سوريا، شكل صورة تعكس واحدة من أكثر الأوضاع تعقيداً وتأثيراً في العصر الحديث. يتجاوز تأثيرها الحدود الجغرافية للبلاد، بدءاً من الانهيار السريع للأمن العام وصولاً إلى التدهور الاقتصادي المروع، حيث شهدت سوريا تحولات كارثية في معظم جوانب حياة مواطنيها.

الوضع الأمني في سوريا يعتبر تحدياً كبيراً، حيث يعيش المدنيون في ظل الصراعات المستمرة والمتعددة الأطراف. يواجه الشعب السوري يومياً تداعيات هذه الصراعات، مما يجعلهم يعانون ويعيشون في ظروف صعبة للغاية. العنف لا يعرف توقفاً، مما يضطر الكثيرين إلى النزوح والبحث عن ملاذ آمن في أماكن بعيدة عن مناطق الصراع.

ومع ذلك، ليس الوضع الأمني فحسب هو الذي يلقي بظلاله المظلمة على البلاد، بل يتجلى التدهور الاقتصادي بوضوح أيضاً. فقد دمرت هجمات قوات النظام وحلفائه من القوات الروسية والإيرانية والمليشيات المرتبطة بهم البنية الاقتصادية، مما أدى إلى تفاقم البطالة وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين. هذا التراجع الاقتصادي الصارخ أثّر بشكل كبير على قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما دفع الكثيرين نحو حافة البؤس والفقر المدقع.

وبهذا، يرسم السياق العام للنزاع السوري لوحة مريرة تعكس تحديات لا تزال تكبر، مما يتطلب تعاوناً دولياً واسع النطاق لإيجاد حلول جذرية لإنهاء معاناة الشعب السوري واستعادة الاستقرار للمنطقة برمتها. فالسوريون اليوم يعانون في دول اللجوء أيضاً بعض ما يعانونه في بلدهم، ولعل معاناتهم في لبنان اليوم أكبر دليل على ذلك.

 

التهديدات الرئيسية التي يتعرض لها السوريون في لبنان

أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان

من بين أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين في لبنان هو الوضع القانوني، وهو من أكثر الجوانب التي تثير القلق وتسلط الضوء على حجم الصعوبات التي يواجهونها. يعيش الكثيرون منهم في ظل انعدام الأمن القانوني، حيث يفتقرون إلى الوثائق الرسمية والتصاريح القانونية للإقامة، ما يجعلهم عرضة للتهديد بالترحيل والإبعاد دون أي ضمانات قانونية. بالإضافة إلى ذلك، يعمل العديد منهم في السوق السوداء دون حقوق عمل أو تأمين اجتماعي، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والظروف الاقتصادية الصعبة.

أجرت الرابطة السورية لكرامة المواطن مقابلة حصرية مع بعض اللاجئين السوريين في لبنان، السيدة “أ ع”، التي خرجت مع زوجها وأولادها في عام 2013 بسبب ملاحقة النظام السوري لزوجها، نظراً لمشاركتهم في المظاهرات ومعارضتهم لنظام الأسد.

في المقابلة، أكدت “أ ع”:

“أنا وزوجي أوراقنا نظامية عدا أولادي الذين أصبحوا فوق سن 18، يوجد مخاوف بعد ما تخطى ابني سن 18 ولا تزال اوراقه محجوزة بالأمن العام اللبناني وأعطوه قرار بالترحيل. الآن ابني لا يستطيع أن يتواجد بالأماكن التي يوجد فيها حواجز ولا يستطيع العمل خوفا من الترحيل”

فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، تتفاقم الصعوبات يوماً بعد يوم، حيث يجد الكثير من اللاجئين صعوبة في توفير لقمة العيش اليومية. تفتقر العديد من العائلات إلى الدخل الثابت وتعاني من ارتفاع معدلات البطالة، مما يجعلها تعيش تحت خط الفقر المدقع دون أي تأمين اجتماعي أو دعم حكومي يذكر.

تتحدث “أ ع” عن وضع السوريين في لبنان بشكل عام:

وضعنا ووضع السوريين في لبنان بالمجمل تعيس جداً العمل شاق والمعاش ضئيل جدا حيث إن العامل اللبناني يتقاضى ثلاث أضعاف العامل السوري والوضع الاقتصادي منهار تماماً في لبنان

في المجال التعليمي، يواجه اللاجئون السوريون تحديات كبيرة في إدراج أطفالهم في المدارس، حيث تفتقر العديد من الأسر إلى الوثائق الرسمية اللازمة وتعجز عن تحمل التكاليف المالية المرتفعة المترتبة على تسجيل أبنائها في المدارس. يجد العديد من الأطفال أنفسهم محرومين من حقهم في التعليم ومضطرين للعمل بدلاً من الالتحاق بالمدرسة، ما يؤدي إلى فقدان فرص تعلمهم وتطويرهم المستقبلي.

السوريون بين التمييز العنصري والتهديدات الأمنية

في لبنان، يواجه السوريون تحديات هائلة تتراوح بين التضييق والتمييز العنصري والتهديدات الأمنية المستمرة. يظهر هذا التهديد بوضوح من خلال تصريحات كبار المسؤولين اللبنانيين، حيث يتم تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي تعاني منها البلاد، ويتم تصوير وجودهم بأنه عامل مسبب للمشاكل الاقتصادية والأمنية.

تزايدت حدة هذا التمييز مؤخراً، حيث يطالب كبار المسؤولين بضرورة فرض القانون بحزم على السوريين، ويُحذر من وجود خلايا إرهابية ومسلحين داخل المخيمات السورية في لبنان. هذه التصريحات تؤدي بلا شك إلى مزيد من الاحتقان بين اللاجئين السوريين والشعب اللبناني، وتنذر بتصاعد العنصرية والاعتداءات في المنطقة.

وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي أكد في كلمة خلال عزاء منسق حزب القوات باسكال سليمان في كنيسة مار جرجس في جبيل على ضرورة ما وصفه بـ “لجم الفلتان السوري”، مشيراً إلى أن الشعب اللبناني يعاني بشكل كبير جراء الحالة التي وصل إليها بسبب الوجود السوري.

من جانبه، زعم وزير المهجَّرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، وجود 20 ألف مسلح داخل مخيمات اللاجئين السوريين ينتظرون ساعة الصفر والإشارة من واشنطن، مؤكداً على وجود “خلايا إرهابية نائمة وتتشكل داخل مخيمات السوريين على الأراضي اللبنانية، مهمتها تقويض الأمن في سوريا لمآرب سياسية تخدم الولايات المتحدة ودول الغرب عامة”.

تُعزى هذه التهديدات إلى سياسة اللامبالاة والإهمال التي تتبعها الحكومة اللبنانية تجاه اللاجئين السوريين، حيث تتركهم في ظل ظروف صعبة دون توفير الحماية اللازمة أو الدعم القانوني والأمني اللازم لهم. يشكل هذا الوضع تهديداً حقيقياً لحقوق الإنسان والأمن في المنطقة، ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين وضع السوريين في لبنان وضمان حمايتهم من التمييز والتهديدات الأمنية المحتملة.

من الضروري توضيح أن السوريين اللاجئين في لبنان هم أشخاص فروا من الحرب والعنف، وهم يسعون لحماية حياتهم وحياة عوائلهم. معظمهم يعانون من آثار الصراعات المسلحة ويبحثون عن مأوى آمن بعيداً عن أي صراعات. لذلك، يجب التأكيد على أن معظم اللاجئين السوريين في لبنان هم ضحايا للظروف القاسية في بلدهم، وليسوا مسلحين أو مشاركين في الصراعات المسلحة أو أية تهديدات أخرى في مكان لجوئهم!

 

الإعادة القسرية إلى سوريا وخطورتها

في ظل التحديات المعقّدة التي يواجهها السوريون في لبنان، يتعرضون لتهديدات خطيرة تهدّد حياتهم ومستقبلهم بشكل لا يمكن تجاهله. من بين هذه التهديدات الرئيسية، يبرز خطر الإعادة القسرية إلى سوريا كواحدة من أخطر التحديات التي تواجههم.

تلك العملية المحفوفة بالمخاطر قد تجلب معها تعرّض الأفراد للاعتقال التعسفي، والتعذيب، وحتى الموت. وفي ظل استمرار النزاع وعدم توافر الظروف الآمنة والكريمة للعيش في سوريا، فإن العودة القسرية تمثّل تهديداً حقيقياً للحياة والسلامة الشخصية للسوريين.

أكد السيدة “أ ع” في المقابلة:

أي دولة تتعامل مع نظام الأسد المجرم هي شريكته بقتل الشعب السوري وهي خائنة لقيم الإنسانية وحقوق الإنسان قولاً واحداً، فسوريا ليست آمنة أبداً، وأنا لدي أولاد بعمر الجيش وزوجي مطلوب لأفرع الأمن عند النظام فقط لأنه شارك بالمظاهرات، والنظام السوري كاذب ولا يؤتمن.

على سبيل المثال عادت صديقتي مع أولادها إلى حلب، وعلى الحدود اعتقلوا ابنها واتهموه أنه يحمل اخراج قيد مزور!، نحن لا نرغب بالعودة قسراً لمناطق النظام تحت ما يسمى “العودة الطوعية”.

تُظهر الأرقام الموثقة والوثائق المقدمة من مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) واقعاً مأساوياً يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان، حيث يُظهر التقرير الاستقصائي الصادر عن المركز أنه منذ بداية عام 2023 وحتى نهاية كانون الأول، تم اعتقال 1080 شخصاً تعسفياً في لبنان، وتم ترحيل 763 شخصاً بشكل قسري إلى سوريا. وتشير هذه الأرقام إلى حملة أمنية عشوائية تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان، تحولت إلى تهديد حقيقي يهدد حياة الآلاف وأمنهم.ي

حيث تبدأ حقيقة رحلة الموت بعد ترحيل هؤلاء السوريين وتسليمهم للنظام السوري، لتبدأ مرحلة أخرى من الانتهاكات التي تمارسها السلطات السورية ضدهم، تتضمن التحقيقات الأمنية وإجراء تسويات عسكرية وسياسية ومدنية، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين مروراً بالمحاكم العسكرية، وفي بعض الحالات تعرض اللاجئون للإخفاء القسري والتعذيب وإساءة المعاملة، وتحويل من هم في سن الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية للالتحاق بالجيش السوري. وفي بعض الحالات تم إعادة تسليم اللاجئين قسراً من قبل الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري إلى عصابات التهريب على الحدود، التي بدورها احتجزت اللاجئين في بيوت ومزارع حدودية تابعة لها وتلاعبت بمصيرهم واستغلت وضعهم الهش لابتزازهم مالياً والاستفادة من محنتهم، وهذا ما أكده التقرير السابق نفسه.

من جانب آخر فإن تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لعام 2023 يوثق وضع حقوق الإنسان في سوريا بشكل دقيق وشامل، حيث سُجل مقتل 1032 مدنياً بينهم 181 طفلاً و119 سيدة، وتعرَّض قرابة 195 ألف شخص للتشريد القسري.

وبلغ عدد حالات الاعتقال التعسفي 2317، بينهم 129 طفلاً و87 سيدة، ووُثِّق مقتل 59 شخصاً بسبب التعذيب. كما سُجِّلت 206 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، وتم توثيق 14 مجزرة. وشهد العام هجوماً بذخائر عنقودية و8 هجمات بأسلحة حارقة، مما تسبَّب في مقتل وإصابة العديد من المدنيين.

إن تجاهل هذا الخطر يعني تجاهل حقوق الإنسان والإصرار على تعريض الأفراد لخطر الاضطهاد والتهديد بالحياة، مما يجعل الدور الدولي أمراً ضرورياً لحماية السوريين وضمان سلامتهم وحقوقهم في العيش بكرامة وأمان.

 

خطة لبنان الرسمية في التعامل مع اللاجئين السوريين

باتت التصريحات والمواقف اللبنانية المعادية للاجئين السوريين موضوعاً رئيسياً يثير الجدل والانقسام في البلاد، ترأس رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اجتماعاً لـ “اللجنة الوزارية لمتابعة تنفيذ خطة عمل الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية” في السرايا، بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين.

وقد جاء في تصريحات ميقاتي بعد الاجتماع، التأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة الواقع القديم الجديد في ملف النازحين السوريين وغيرهم. وأوضح الوزير الحجار، وزير الشؤون الاجتماعية، أن أبرز نقاط الخطة تتضمن ضرورة إجراء مسح شامل لجميع السوريين الموجودين في لبنان، لتحديد من يعتبر نازحاً ومن لا يعتبر.

وأكد على ضرورة تطبيق القوانين اللبنانية على السوريين بدون ربطهم بالمفوضية ومنعهم من حقوق النازحين. كما تضمنت الخطة إزالة الخيام والتجمعات السكنية للفئات غير النازحة، بالإضافة إلى ترحيل الأشخاص الذين دخلوا البلاد بطرق غير شرعية أو يُعتبرون مخالفين للقوانين اللبنانية. واعتماد أحد المسارين لإعادة التوطين في بلد ثالث أو عودتهم إلى سوريا بالتنسيق مع الحكومة السورية، مع استعانة المجتمع الدولي لضمان الأمن على الحدود.

تظهر خطة ميقاتي بوضوح استمرار السلطات اللبنانية في سياسات الاضطهاد والتمييز وميلاً لتوجيه الاتهامات والتهميش ضد اللاجئين السوريين. يتضمن الخطاب الرسمي للحكومة تصاعداً في التصريحات المعادية والمواقف التمييزية، وعدم الالتزام الكامل بالقوانين الدولية والمعايير الإنسانية في التعامل مع السوريين.

يتضح أن جوهر الخطة يعتمد على إجراءات تقييدية وقمعية تجاه اللاجئين السوريين، بما في ذلك الإجراءات القسرية لترحيلهم ومنعهم من حقوقهم الأساسية، مما يستدعي تدخلاً فورياً من المجتمع الدولي لحماية حقوق الإنسان وضمان حماية اللاجئين وإنسانيتهم.

 

بوابة الفرار المائية إلى قبرص

قوارب الموت الخيار الأخير للسوريين المحاصرين في لبنان

وسط موجة تهديدات الإعادة المحتملة إلى سوريا، تنطوي خيارات السوريين العالقين في لبنان على سيناريوهات مروعة تمثلت في الإعادة القسرية لمناطق النظام مع ما تحويه من مخاطر الاعتقال والتعذيب والاختفاء أو اللجوء إلى قوارب الموت متجهين نحو جزيرة قبرص مع ما يحويه هذا الخيار من صعوبات وتحديات قد تصل في بعضها إلى الموت غرقاً لعوائل بأكملها.

أكدت السيدة “أ ع” في مقابلتها مع الرابطة السورية لكرامة المواطن:

في حال أجبرنا على ما يسمى العودة الطوعية سنبحث عن أي وسيلة تخرجنا من لبنان إلى أي دولة أخرى غير سوريا، نحن حالياً مجبرون أن نبقى في لبنان ونتحمل المصاعب، ولو كان لدينا تكاليف السفر إلى أي دولة أخرى من المؤكد لن نبقى فيها ساعة واحدة لا خيار لنا حالياً سوى الصبر.

بحسب تقرير “أسطورة العودة “الطوعية” من لبنان”، الذي أصدرته الرابطة السورية لكرامة المواطن، أشار حوالي 30% من المستطلع آراؤهم صراحة إلى أنهم سيلجؤون لمحاولة الفرار إلى دول أخرى إذا أجبروا على العودة إلى سوريا سواءً بطرق قانونية أو غير قانونية، وبينما لا يمتلك 37% منهم خططاً محددة، يُشير الوضع الراهن إلى احتمالية اتخاذ نفس القرار بشكل واسع الانتشار.

هذه النتائج تعكس تحذيرًا محتملاً لموجات جديدة من النزوح إلى أوروبا، ويجسد اختيار اللاجئين السوريين بين قوارب الموت والبقاء أو العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري مأساة بشرية تستحق الاهتمام والتفكير الجدي.

 

استجابة قبرص لتدفق المهاجرين

اتخذت جمهورية قبرص مجموعة من الإجراءات والتدابير للتعامل مع التدفق المتزايد من المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها عبر قوارب الموت، حيث أعربت السلطات المختصة في الجمهورية عن قلقها إزاء زيادة عدد المهاجرين الوافدين لأراضيها عبر البحر، ووفقاً لتقارير من وحدة الأجانب والهجرة في قبرص، فإن المهاجرين غير النظاميين القادمين عبر البحر يصلون بشكل أساسي من لبنان أو على متن قوارب صيد من طرطوس في سوريا.

ولكن بسبب القيود القانونية للاتحاد الأوروبي، فإن قبرص لا تستطيع التواصل مباشرة مع السلطات السورية بشأن هذه القضية، مما يضطرها للتعاون مع الدول المجاورة والاتحاد الأوروبي للتعامل مع وصول المهاجرين اليومي، وبالتالي فيتوجب عيلها وبناء على الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي استقبالهم وعدم إعادتهم إن تبين أنهم قادمون من محافظة طرطوس على السواحل السورية.

كما اقترحت جمهورية قبرص على السلطات اللبنانية، سلسلة من الإجراءات الرامية إلى مواجهة التحديات المتعلقة بتدفق المهاجرين غير الشرعيين من لبنان، وكشفت أكبر صحيفة في قبرص “Phileleftheros” عن رسالة رسمية من وزارة الهجرة في قبرص إلى نظيرتها اللبنانية عن مبادرة لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين من لبنان.

يُعتبر إعادة هؤلاء الأشخاص إلى لبنان بمثابة تهديد وخطورة كبيرة على حياتهم ومستقبلهم، فقد يتم اعتقالهم في لبنان من قبل الحكومة اللبنانية أو يتم إجبارهم على العودة القسرية المبكرة إلى بلادهم مما قد يؤدي إلى اعتقالهم من قبل قوات النظام السوري.

 

تصريحات قبرص الأخيرة بشأن اللاجئين السوريين

دعا وزير الداخلية القبرصية كونستانتينوس إيوانو في نهاية عام 2023 من مقر الأمم المتحدة في جنيف، حيث يُعقد المنتدى العالمي الثاني للاجئين، إلى إعادة تقييم بعض المحافظات السورية لتصنيفها على أنها “آمنة” لإعادة اللاجئين القادمين منها، واستشهد الوزير بتقرير صادر عن وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA) في شباط 2023 والذي ذكر أن محافظتين سوريتين – دمشق وطرطوس – ليس لديهما “خطر حقيقي على أن يتأثر أي مدني شخصياً بالعنف العشوائي”.

كما طالب الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس لاحقاً الاتحاد الأوروبي برفع الحظر عن ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وضرورة التعامل مع قضية الهجرة بشكل شامل يراعي الأسباب الجذرية ويشمل التعاون مع الدول المتأثرة بالمهاجرين.

ويرى وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس إيوانو، أن الوضع يتدهور تدريجياً، ويشير إلى زيادة واضحة في عدد القوارب والمهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم عبر البحر. ومع وصول أكثر من 600 شخص، غالبيتهم سوريون، خلال شهر آذار 2024.

مؤخراً أعلنت جمهورية قبرص تعليق معالجة طلبات اللجوء المقدمة من المهاجرين الوافدين من سوريا، مشيرةً إلى وصول جماعي للسوريين الباحثين عن اللجوء عبر البحر في انتظار التطورات المتعلقة بمسألة إعادة تقييم الأوضاع في سوريا. هذا الإعلان أثار عاصفةً من التساؤلات حول تداعياته على الأوضاع الإنسانية والسياسية في المنطقة.

 

استجابة الدول الأوروبية لتصريحات لبنان وقبرص بشأن اللاجئين السوريين

إعادة تقييم مناطق سورية وتداعيات ذلك على حقوق الإنسان

تشير تصريحات قبرصية إلى تأييد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمقترح الحكومة القبرصية بتحديد مناطق آمنة داخل سوريا لتمكين عمليات إعادة المهاجرين، بعد تسجيل وصول أكثر من 10,000 مهاجر إلى قبرص في العام الماضي.

تعمل حكومات قبرص والتشيك والدنمارك على إرسال بعثة مشتركة لجمع البيانات وإعادة تقييم مدن ومحافظات سورية، وتصنيفها على أنها “مناطق آمنة” تصلح لعودة اللاجئين إليها. جاء هذا القرار بعد مناقشات شملت وزير الداخلية القبرصي مع نظيريه التشيكي والدنماركي، خلال زياراته لدول الاتحاد الأوروبي، بهدف تنسيق الجهود لإعادة تقييم الوضع في سوريا.

وفي سياق متصل، حذرت الخارجية الألمانية من ترحيل اللاجئين السوريين، مشيرة إلى أن بلادهم “غير آمنة”، وذلك وفقاً لتقرير سري صدر عن الوزارة وتم نقله بواسطة موقع “تاغسشاو” الألماني. هذا التحذير يؤكد ما أكدته تقارير ومعلومات من مصادر مختلفة تفيد بأن الوضع الأمني في سوريا لا يزال غير مستقر ولا يوفر الظروف الآمنة لعودة اللاجئين.

كشف تقرير حديث صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في 13 شباط 2024، بعنوان “لا نخشى الموت، بل الحياة هناك” عن انتهاكات جسيمة ووضعٍ مزرٍ لحقوق الإنسان يواجهه العائدون إلى سوريا، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والمبني على النوع الاجتماعي، والإخفاء القسري، والاختطاف.

وأشار التقرير إلى المصاعب الاقتصادية، وسوء المعاملة، والخطاب العدائي، المتزايد ضد اللاجئين، والمداهمات والاعتقالات الجماعية في بعض البلدان المضيفة أجبرت الكثيرين على العودة المبكرة إلى سوريا، على الرغم من أن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم، مؤكداً أن معظم الذين تمت مقابلتهم أفادوا بأنهم قرروا الفرار من جديد خارج سوريا.

أكد التقرير السابق ما أكدته الرابطة السورية لكرامة المواطن مراراً بأن عودة اللاجئين السوريين يجب أن تتم بعناية وفي ظروف آمنة وكريمة، ويجب أن تستند إلى تقييم شامل للوضع العام في سوريا، ومن خلال حل سياسي شامل تكون البيئة الآمنة حجر الأساس فيه، وضمن الشروط التي يضعها السوريون المهجرون أنفسهم، حيث أن 65% من المستطلع آراؤهم في التقرير الأخير الذي أصدرته الرابطة ” موت العودة الكريمة والعملية السياسية“، أشاروا أن البيئة الآمنة شرط أساسي لعودتهم إلى سوريا، فيما يرى 61٪ أن الكشف عن أوضاع المعتقلين والمختفين قسرياً شرط مسبق لعودتهم.

تراجع الدنمارك سابقاً في سياستها تجاه اللاجئين السوريين

في وقت سابق أكد التراجع في سياسة الدنمارك بشأن سحب الإقامات من اللاجئين السوريين وتقييم مناطق سورية على أنها “آمنة” على تطور مهم في تفكير الحكومة الدنماركية وقراراتها. هذا التحول يمثل اعترافاً بأن القرارات السابقة كانت مبنية على أساس غير دقيق وقد تسببت في إضرار غير مبرر بحق اللاجئين السوريين. من الواضح أن سحب الإقامات بشكل غير مبرر من السوريين القادمين من المناطق التي تم تصنيفها على أنها “آمنة” في سوريا يُعتبر قراراً مجحفاً وظالماً بحق هؤلاء اللاجئين.

جسدّت قرارات السلطات الدنماركية بسحب الإقامات من اللاجئين السوريين وتصنيف مناطق سورية على أنها “آمنة” ثم التراجع عنها، تجربة قاسية لمحاولة التوازن بين الضغوط السياسية ومبادئ حقوق الإنسان. يُظهر تراجع السلطات الدنماركية عن هذه القرارات السابقة تأكيد عدم كفاية الظروف الأمنية في تلك المناطق لاستقبال اللاجئين السوريين.

لكن وبالرغم من التراجع السابق في موقف الدنمارك، فإن تجديد استجابتها لمطالبات قبرص يثير تساؤلات حول مدى استعدادها للتوفيق بين المصالح الوطنية والالتزامات الدولية في مسألة حقوق اللاجئين. هل ستتبنى الدنمارك سياسة أكثر توازنًا واحترامًا لحقوق الإنسان في معاملتها مع اللاجئين؟

هذا السؤال يبقى محوريًا في النقاشات الدولية حول كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين وتوفير الحماية لهم بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

 

تحذيرات وتصريحات دولية تؤكد عدم وجود بيئة آمنة في سوريا

في إحاطة مجلس الأمن بشأن سوريا 25 نيسان 2024، أكد غير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أهمية المُضي قدماً في تهيئة البيئة الآمنة والهادئة والمحايدة اللازمة لبدء العملية السياسية – وأيضاً من أجل عودة آمنة وكريمة وطوعية للاجئين. مشيراً أن الجهود المبذولة لمعالجة هذه المسائل، لم تُسفر حتى الآن عن التغييرات المطلوبة. بل على العكس، يزداد عدد الراغبين في مغادرة سوريا – ومغادرة دول الجوار أيضاً – مخاطرين بحياتهم على طرق محفوفةً بالمخاطر.

كم أشار بيدرسون أنه يتعين على الأطراف الفاعلة التركيز على ما يحتاجه اللاجئون أنفسهم، فيما يتعلق بكل من الحماية وتوفير سبل العيش. كما يجب تعزيز الحماية وصون كرامة اللاجئين السوريين أينما كانوا، في الوقت الذي يجب العمل فيه على تهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة وطوعية لهم إلى بلادهم.

من جانبها، أكدت بريجيت كورمي، سفيرة فرنسا في سوريا، في مقال “لمنع سوريا من الانزلاق خارج الأجندات الدولية ” نشرته على موقع المجلة على أن العودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين غادروا منازلهم ما زالت مستحيلة، حيث لا تتوافر الظروف الملائمة للعودة ولا يبذل النظام السوري أي جهد في هذا الاتجاه.

وأكدت خارجيات كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في بيان مشترك بشأن الذكرى الثالثة عشر للانتفاضة السورية، أنه لم يتم بعد استيفاء شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين إلى سوريا بدعم من المجتمع الدولي.

أما باولو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا، فقد أكد في بيانه للدورة الخامسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في آذار 2024، أنه لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر فيما يتصل بالقضايا الرئيسية في سوريا ـ الأمن واللاجئين والمخدرات ـ التي دفعت جامعة الدول العربية إلى إعادة سوريا إلى حظيرتها قبل عام تقريباً، بل على العكس من ذلك، فإن سوريا ليست أكثر أماناً، ولا يزال العديد من السوريين يفرون من بلدهم بدلاً من العودة إليه.

 

ختاماً

نؤكد في الرابطة السورية لكرامة المواطن أن الحل الجذري للنزاع في سورية يتمثل في إيجاد حل سياسي شامل يحقق مطالب الشعب السوري، ويضع البيئة الآمنة التي حددها السوريون أنفسهم حجر الأساس فيه. يجب أن يتضمن هذا الحل السياسي حواراً شاملاً ومفتوحاً بين جميع الأطراف المعنية، ويُعزَّز بالتوافق الدولي لضمان تنفيذه بشكل فعال ومستدام. ينبغي أن يكون الحل محققاً لمتطلبات الشعب السوري وآماله المشروعة ومرتكزاً على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ويهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

وتؤكد الرابطة على أن الحل السياسي الذي يحقق السلام المستدام في سورية هو الحل الذي يُمكِّن المهجرين السوريين من العودة إلى أماكنهم الأصلية بعد تحقق شروط البيئة الآمنة التي توفر الظروف المناسبة لعودتهم عودةً آمنةً وطوعية وكريمة.

لذا، ندعو المجتمع الدولي إلى بذل المزيد من الجهود لدعم العملية السياسية في سوريا وتسهيل التوافق بين جميع الأطراف المعنية. كما نحث على توجيه الاهتمام والموارد اللازمة لضمان تلبية احتياجات اللاجئين السوريين في الدول المضيفة، وتوفير الدعم اللازم للمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة اللازمة للمتضررين في سوريا وخارجها.