تقدر الحكومة اللبنانية أنه من بين ستة ملايين شخص يعيشون في البلاد، هناك 1.5 مليون لاجئ سوري يشمل هذا التقدير كلاً من اللاجئين المسجلين وغير المسجلين (علقت الحكومة اللبنانية تسجيل اللاجئين الجدد في مايو 2015)، على الرغم من أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير حالياً إلى أن هناك 865,531 لاجئاً سورياً مسجلين في لبنان يعيش معظمهم في مجتمعات مضيفة ضعيفة في ظل ظروف من الفقر.

يقود التوازن الطائفي الهشُّ في لبنان إلى تصوراتٍ عدائيةٍ متزايدةٍ عن اللاجئين السوريين بين اللبنانيين، متأثرين إلى حد كبير بتجربتهم السابقة مع الحرب الأهلية، فضلاً عن التدفق السابق للاجئين الفلسطينيين فقد ذكر المسؤولون اللبنانيون في كثير من الأحيان أن دمج الأغلبية من السُنَّة السوريين في الاقتصاد قد يعطل نظام الدولة لتقاسم السلطة بين المسيحيين والسنة والشيعة. تماشياً مع ذلك، غالباً ما يعرب اللبنانيون عن قلقهم من التنافس مع السوريين وشركاتهم الراسخة في سوق العمل، بينما يستخدم بعض السياسيين اللبنانيين بشكل انتهازيٍّ اللاجئين ككبش فداء لتبرير التدهور الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

ارتفعت وتيرة هذا الخطاب في الأشهر الأخيرة، حيث يتحدث ممثلو الحكومة الآن علانيةً عما يرقى إلى الإعادة القسرية للسوريين إلى سوريا، وهو أمر غير آمن بشكل واضح. يأتي هذا الإعلان عن السياسة المقلق للغاية في الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة اللبنانية بشأن المساعدة المالية من البنك الدولي لمعالجة وضعها الاقتصادي المزري، وهو يعني ضمناً وضع اللاجئين السوريين المستضعفين على الطاولة كورقة مساومة للحصول على المزيد من الأموال، وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي المساعدات التي تلقتها الحكومة اللبنانية لاستيعاب اللاجئين السوريين خلال الفترة من 2012 إلى 2019 تجاوز ستة مليارات ونصف المليار دولار. ومع ذلك، يعيش أكثر من 89% من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر المدقع.

وأظهر البحث الذي أجرته الرابطة السورية لكرامة المواطن أن 88% من اللاجئين السوريين يعيشون في حالة من انعدام الأمن القانوني وأن 96% منهم في حالة انعدام أمن اقتصادي وهذه النسبة العالية للغاية تستدعي فحصاً دقيقاً للآليات التي تستخدمها الحكومة اللبنانية للتعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان.

وقد دفعت السياسة المعلنة مؤخراً، من الحكومة اللبنانية، والمتمثلة في إعادة السوريين إلى سوريا، دون تلبية أبسط الشروط الأساسية لعودة آمنة وطوعية وكريمة، الرابطة السورية لكرامة المواطن إلى إجراء مسحٍ للاجئين السوريين في لبنان للتأكد من ظروفهم المعيشية الحالية ومواقفهم تجاه العودة وقد اعتمدنا في هذه الإحاطة على 438 مقابلة منظمة أجريت مع لاجئين سوريين مقيمين في لبنان باستخدام استبيان موحد لجمع البيانات.

يقوم الاستبيان بتجميع آراء السوريين في أربعة مجالات رئيسية:

  1. الوضع الحالي للاجئين.
  2. أثر الخطاب والسياسات التمييزية التي تستهدف اللاجئين السوريين.
  3. خطط ورؤى للمستقبل.
  4. تصورات لشروط العودة إلى سوريا.

أجرت فرقنا البحثية مقابلاتٍ وجهاً لوجه مع عينة البحث في أماكن إقامتهم (مدن ومخيمات)، والتي انقسمت إلى خمسة مخيمات بالإضافة إلى مناطق البقاع وطرابلس وبيروت. وشكلت النساء مانسبته 59% من إجمالي العينة.

أظهر البحث أن الغالبية العظمى من السوريين الذين شملهم الاستطلاع يعانون من مشاكل في الحصول على وضع قانوني في البلاد فقد أشار 64% من المشاركين إلى أنه ليس لديهم أي وثيقة رسمية أو تصريح إقامة رسمي في لبنان. وبناءً على ذلك، وبما أن معدل البطالة مرتفع للغاية – حيث إن 43% من اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع عاطلون عن العمل، و25% عمال مياومون دون أي حقوق أو تغطية قانونية، و12% منهم يتقلبون بين العمل بدوام جزئي أو بدوام كامل – فإن من بين أولئك الذين تمكنوا من العثور على عمل، أشار 90% أنهم لا يعملون بشكل رسمي. وهذا يعني بالتالي حرمان اللاجئين السوريين من أي حقوق أو تغطية قانونية لأنهم يعملون في السوق السوداء بسبب رفض السلطات اللبنانية تسجيلهم رسمياً.

إن هذا الوضع القانوني والمالي غير المستقر ينعكس بشكل سلبي على الفئات الأكثر ضعفاً بين اللاجئين السوريين وأطفالهم. فعلى سبيل المثال تفرض الحكومة اللبنانية تكاليف عالية على اللاجئين للحصول على الوثائق اللازمة لتسجيل أطفالهم في المدارس (على الرغم من المساعدات الضخمة التي يتلقاها قطاع التعليم اللبناني لاستيعاب الأطفال السوريين اللاجئين) ما تسبب بحرمان 89% من عينة البحث من الحصول على المستندات المطلوبة لتسجيل أطفالهم في المدارس وأفاد 62% من المشاركين في البحث أن أطفالهم ليس لديهم وثائق رسمية للالتحاق بالمدرسة بسبب التكاليف المالية، بينما أشار 27% منهم إلى أن أطفالهم ليس لديهم وثائق رسمية بسبب التعقيدات التي تفرضها عليهم الحكومة اللبنانية لتسجيل أبنائهم وهذا أدى الى فقدان النسبة الأكبر من الأطفال السوريين في لبنان 10 سنوات من حياتهم، غير قادرين على الحصول على التعليم، وبعضهم أجبر على العمل.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الظروف المروعة التي يواجهونها في لبنان، فإن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين لا يريدون العودة إلى سوريا في ظل الظروف الحالية، لا سيما في ظل حكم النظام السوري. وأظهرت الدراسة أن 73% من المشاركين لديهم مخاوف أمنية بشأن العودة إلى سوريا خوفاً من تعرضهم لمخاطر أمنية مباشرة أو غير مباشرة على حياتهم. حيث أشار حوالي 39% من المشاركين في المسح الميداني إلى أن إجبارهم على العودة سيعرضهم لمخاطر مهلكة ( ليس بالضرورة أن تستهدفهم بشكل مباشر)، في حين أفاد 23% منهم أنهم سيتعرضون لتهديد التجنيد الإجباري، و11% سيتعرضون لمخاطر مهلكة تستهدفهم بشكل مباشر (قد تصل إلى القتل أو الاختفاء القسري أو التعذيب).

وحوالي 67% من المستجيبين غير مهتمين حتى بزيارة سوريا في ظل الظروف الحالية. ورداً على سؤال حول ما إذا كانوا سيعودون في ظروف مغايرة، أجاب 35% من المشاركين صراحةً بأنهم لا يريدون العودة إلى سوريا حتى لو تغيرت الظروف، وقد يعود 36% منهم إذا تم استيفاء شروط معينة، بينما لا يفكر الباقون وهم 29% من المستجيبين في العودة إلى ديارهم غالباً.

أشار حوالي 30% من المستطلع آرائهم صراحة إلى أنهم سيلجأون لمحاولة الفرار إلى دول أخرى إذا أجبروا على العودة إلى سوريا سواء بطرق قانونية أو غير قانونية، بينما 37% منهم ليس لديهم أي خطط حالية في حالة إجبارهم على العودة إلى سوريا، لكن من المرجح بالنظر إلى حقيقة الوضع، أن نسبةً جيدةً منهم ستختار الخيار نفسه. وهذا يعد مؤشراً خطيراً لموجاتٍ جديدةٍ محتملةٍ من النزوح الجماعي إلى أوروبا، والتي تشهد زيادة كبيرة في وتيرتها مؤخراً. إن هذه النتيجة هي الأكثر إثارة للدهشة في الاستطلاع حيث يفضل العديد من السوريين في لبنان استخدام “قوارب الموت” على مواجهة العودة إلى سوريا في الظروف الحالية.

لقراءة الإحاطة كاملةً من الرابط التالي: