مقدمة:

في ظل الحرب المستمرة والصراعات الدامية التي تعصف بسوريا منذ سنوات، يواجه الشعب السوري واقعاً قاسياً لا يمكن تجاهله، فالمدن والبلدات تشهد يومياً أحداثاً مأساوية تترك آثارها الكارثية على السكان، حيث يتعرض المدنيون الأبرياء لأعمال عنف وتفجيرات تستهدفهم دون رحمة أو شفقة.  

يتناسى العالم الشعب السوري، الذي يواجه واقعاً قاسياً في ظل الأعمال العدائية والاضطرابات المستمرة. يعيش السوريون، في هذا الزمان، حياة مليئة بالتحديات والمخاطر، فما بين الانفجارات المدمرة والقصف العشوائي، والتهجير القسري، يعيشون واقعًا مريرًا يشكل تحدياً يوميًا لبقائهم وسلامتهم. 

من يدفع الثمن هم الأبرياء الذين يجدون أنفسهم في قلب الصراعات، معاناتهم تتجسد في كل انفجار، في كل حادثة تهجير، وفي كل دمعة تذرف على أطلال البلد الممزق. 

 انفجار اعزاز يجسد مأساة سوريا المستمرة: 

في كل يوم يمر على الشعب السوري، تُكتب قصة جديدة من الألم والفاجعة في الأراضي السورية. في الواقع القاسي الذي يعانيه الشعب السوري المظلوم، أحدثت سيارة مفخخة جريمة بشعة في مدينة اعزاز شمال محافظة حلب في 31 آذار 2024، حيث أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل، بينهم أطفال وامرأة حامل، وإصابة كثيرين آخرين.. 

كان الانفجار الذي هز السوق الرئيسي في المدينة مروعاً، حيث خلّف دماراً هائلاً في المكان وسط المدنيين الأبرياء الذين كانوا يحاولون أن يمارسوا حياتهم اليومية بأمان وسلام. ولا يُعد هذا الحادث الأول من نوعه في سوريا، بل يُضاف إلى قائمة طويلة من الأعمال العدائية التي تستهدف المدنيين الآمنين والمرافق الحيوية، حيث يُظهر استهداف المدنيين بلا رحمة أو ضمير بوضوح فظاعة الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم. ففي شهر شباط أيضاً انفجرت دراجة نارية مفخخة قرب دوار النيروز في مدينة عفرين بريف حلب، ما أسفر عن إصابة 4 مدنيين بينهم طفل بجراح. 

تحمل هذه الحوادث الدموية تبعات وخيمة للمدنيين الآمنين الذين يبحثون عن الاستقرار والأمان، وتجسد الواقع الصعب الذي يواجهه الشعب السوري الذي لا يزال يعاني من آثار الحرب الطاحنة التي دمرت البلاد وتسببت في نزوح ملايين الأشخاص ومعاناة إنسانية خانقة. 

 واقع مرير وأحداث مأساوية مستمرة في شمال غرب سوريا: 

تستمر الأحداث المأساوية في شمال غرب سوريا أيضاً، حيث تعيش محافظة إدلب واقعاً مريراً، ويتعرض سكانها الآمنون إلى هجمات متكررة من قبل قوات النظام السوري. ففي يوم الاثنين الموافق للأول من نيسان من عام 2024، أدّت قذائف القصف الصاروخي على مدينة سرمين إلى وفاة طفلتين وامرأة، وإصابة مدنيين آخرين، بعضهم في حالة خطرة. 

الشمال السوري تحت تأثير الهجمات المتكررة، حيث لا يعرف السكان متى ستشتد المواجهات وتصبح حياتهم في خطر محدق. بالإضافة إلى الخسائر البشرية، فإن الهجمات تترك آثاراً مدمرة على البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة، ما يزيد من معاناة السكان ويضيف عبئاً إضافياً على أكتافهم.

وفي هذا السياق، فإن مدينة سرمين ليست استثناءً، بل هي جزء من مأساة أكبر تعيشها سوريا برمتها، حيث تتكرر حوادث القصف والدمار والموت في مختلف أنحاء البلاد. تجدر الإشارة إلى أن استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية من قبل قوات النظام السورية وحلفائه أصبح يشكل تهديداً متزايداً على حياة السكان البريئين في شمال غرب سوريا، حيث استُخدمت هذه الطائرات بشكل متزايد منذ بداية العام الحالي، مما أسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين ودمار في الممتلكات العامة والخاصة.  

تفلت أمني وتصفيات واغتيالات في درعا:

بعد موجة جديدة من العنف والتوتر في مدينة الصنمين شمال درعا، تبقى حركة القوات العسكرية في درعا وتحديداً في مدينة الصنمين محط أهمية كبيرة في ظل استمرار الاشتباكات والتوترات الدامية التي تعصف بالمنطقة. ورغم تصاعد العنف وارتفاع عدد الضحايا، إلا أن عدم تحرك أي من قوات اللواء الثامن أو اللجان المركزية نحو المدينة أثار استياء الأهالي وجلب انتقادات حادة. 

بدأت الاشتباكات صباح يوم الأحد، الموافق 7 من شهر نيسان الحالي، حيث شنت مجموعة مسلحة تابعة للمدعو محسن الهيمد المرتبط بشعبة المخابرات العسكرية هجوماً على حي الجورة، الذي يعتبر معقلاً لمجموعة أحمد جمال اللباد الملقب بـ “الشبط والمرتبط بأمن الدولة. نتجت عن هذه الاشتباكات خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، حيث قتل 19 شخصاً وتضررت عدة منازل. بالإضافة إلى حدوث حالات إعدام ميداني سُجّلت بحق مدنيين بسبب أنهم من أقارب مجموعة الشبط. 

يتجلى الواقعي المأساوي لهذا الوضع في الممارسات البشعة التي اُرتكبت خلال هذه الاشتباكات، حيث تعرضت العديد من العائلات المدنية للاعتداء والاختطاف والقتل بشكل متعمد. بينما وفي موقف مستفز للكثيرين، فإن كل ذلك يجري أمام حواجز ومقرات تابعة لجيش النظام السوري، بلا أي تدخل لوقفها. وبحسب شخصيات مقرّبة من اللواء الثامن المدعوم من قبل روسيا، فإن هناك غاية لدى ضباط النظام وعلى رأسهم مسؤول الأمن العسكري “لؤي العلي” بحدوث تلك الاشتباكات بهدف اتّساع رقعة الخلافات المحلية والعشائرية. 

ووفقًا لتقرير سابق نشره تجمع أحرار حوران، فإن هناك اتهامات محلية طالت اللواء الثامن بعدم مشاركته في مواجهات مباشرة مع مجموعات محسوبة بشكل مباشر على أجهزة النظام الأمنية. وقد ثبت تورط هذه الجهات في جرائم قتل وخطف لصالح تلك الأجهزة، من بينها مجموعة محمد الرفاعي “أبو علي اللحام” المرتبطة بفرع المخابرات الجوية في بلدة أم ولد، ومجموعة محسن الهيمد المعروف بارتباطه بتنظيم داعش وبشعبة المخابرات العسكرية في مدينة الصنمين. 

 مأساة مستمرة بين القتل والتعذيب والانتهاكات: 

سجَّلت تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في شباط وآذار من هذا العام مقتل 180 مدنياً، بينهم 18 طفلاً و18 سيدة. وسجلت مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب. ووفقاً للشبكة فإنَّ ما لا يقل عن 397 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 15 طفلاً، و10 سيدات قد تم تسجيلها على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في شباط وآذار، وقد تحوَّل 321 منها إلى حالات اختفاء قسري. كانت 177 منها على يد قوات النظام السوري، بينهم طفل و5 سيدات، و123 بينهم 14 طفلاً وسيدتان على يد قوات سوريا الديمقراطية. 

وبحسب التقرير أيضاً فقد شهد شباط ما لا يقل عن 5 حوادث اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، 3 منها كانت على يد قوات النظام السوري، وقد تركَّزت في محافظة إدلب. من بين هذه الهجمات وثق التقرير حادثة اعتداء على منشأة تعليمية و3 على أماكن عبادة. 

يضاف إلى هذا كله استمرار التدخل الخارجي والهجمات من الدول الأخرى على سوريا وما قد ينتج عنها من إصابات بين المدنيين، في ظل واقع معقد يعيشه السوريون يومياً، بدءاً من ضربات الأردن في حربها على تجار المخدرات في الجنوب السوري، إلى حرب إسرائيل مع إيران على الأراضي السورية والتي كان آخرها قصف القنصلية الإيرانية وسط مدينة دمشق التي باتت بعض دول أوروبا تعدها مدينة آمنة لعودة السوريين، إلى حرب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وأذرعه في شمال شرق سوريا، أضف عليها التزايد المتسارع لهجمات داعش في البادية السورية، ما يجعل سوريا ساحة حربٍ خطيرة وغير آمنة للسوريين في كل أجزائها. 

 ختاماً: 

على الرغم من مرور سنوات على بداية النزاع في سوريا، إلا أن الوضع الأمني لم يشهد تحسناً ملموساً، بل على العكس، فإن العمليات العسكرية والاعتداءات ما زالت مستمرة بشكل مروع، مما يجعل الأمل في تحقيق الاستقرار يتبدد يوماً بعد يوم. بدلاً من الشعور بالأمان والاستقرار، يعيش السكان السوريون في حالة من الخوف وعدم اليقين، حيث يعتبرون كل يوم قد يحمل معه اعتداءً جديداً أو تصعيدًا عسكرياً. 

تعد هذه الظروف العنيفة والمتقلبة سبباً رئيسياً في عدم صلاحية سوريا كبيئة آمنة للمدنيين، حيث يواجهون تهديداً مستمراً لحياتهم وأمنهم. فالاعتداءات المتكررة والمتنوعة تعكس عجز الجهات الفاعلة عن توفير الحماية الكافية للمدنيين وضمان سلامتهم، مما يجعل الحياة اليومية في سوريا محفوفة بالمخاطر والتهديدات المستمرة. 

 لا يمكن أن تتوقف هذه المأساة إلا من خلال العمل على إيجاد حل سياسي شامل في سوريا تكون البيئة الآمنة، كما حددها السوريون أنفسهم، حجر الأساس فيه مما يضمن عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم عودةً آمنة وطوعية وكريمة.