إدلب، 30 كانون الأول 2020 – تعرب الرابطة السورية لكرامة المواطن عن استغرابها وقلقها البالغ، الذي يشاركه عدد لا يحصى من المهجرين السوريين، من بيان ألينا دوهان، خبيرة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الذي أعربت فيه عن مواقفها من عودة المهجرين السوريين والعقوبات المفروضة على النظام السوري بسبب انتهاكاته حقوق الإنسان والتي هي مطابقة لتلك المواقف التي أعلن عنها سابقًا النظام السوري وحلفاؤه الروس.
في بيان نُشر على موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بتاريخ 29 كانون الاول 2020، دعت ألينا دوهان، المقررة الخاصة المعنية بالتأثير السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري والتي كانت مفروضة بموجب قانون قيصر [1]. وزعمت أن “العقوبات تنتهك حقوق الإنسان للشعب السوري، الذين دُمّرت بلاده خلال ما يقارب 10 سنوات من الصراع المستمر”، وأن الصراع “كان له تأثير وخيم على قدرة السوريين على إدراك وممارسة حقوقهم الأساسية”.
إنه لأمر صادم لملايين ضحايا فظائع النظام السوري وانتهاكات حقوق الإنسان أن السيدة دوهان لم تذكر ولو مرة واحدة في بيانها بالكامل الأسباب الكامنة وراء “قانون قيصر” وجميع العقوبات التي فُرضت على النظام السوري منذ عام 2011: الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها النظام السوري بحق السوريين ، وجرائم الحرب التي لا حصر لها والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين خلال السنوات العشر الماضية ، والتي أدت إلى مقتل ما يقارب نصف مليون من السوريين ، والسجن والإخفاء القسري لمئات الآلاف من المعتقلين ، وتشريد ما يقرب من 13 مليون سوري يشكلون أكثر من نصف السكان في عام 2011.
نرى أنه من المدهش أن السيدة دوهان تتجاهل تمامًا العديد من التقارير التي نشرتها لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة (COI) بشأن سوريا خلال العام الماضي، والتي تربط انتهاكات حقوق الإنسان بسياسات وممارسات النظام [2]، بما في ذلك الهجوم الشامل على إدلب في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020. هناك العديد من التقارير الصادرة عن منظمات دولية أخرى وسورية موثوقة أيضاً توثق مثل هذه الانتهاكات، لكن تقارير لجنة التحقيق (COI) تصدر ضمن نفس هيكل الأمم المتحدة المصمم لحماية حقوق الإنسان -مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان– والذي فوّض السيدة دوهان.
نرى أنه من المقلق للغاية أن يقع على عاتق السوريين أنفسهم وضع الأمور في نصابها الصحيح والتأكيد على أن العقوبات الأمريكية، وكذلك تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي، هي الأداة الوحيدة المستخدمة بطريقة ما لتجريم ومعالجة الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه.
في الوقت نفسه، يدرك كل من يهتم بالحقيقة أن هذه العقوبات مصممة لمنع أي تأثير مباشر-قدر الامكان- على المدنيين. في الواقع، تستثني العقوبات المفروضة على النظام السوري قطاعات مهمة لضمان أنّ آثار العقوبات المفروضة على النظام، لا تنعكس على السوريين أنفسهم. تشمل الاستثناءات منح إعفاءات من العقوبات عندما تكون الأموال أو الموارد الاقتصادية المطلوبة ضرورية لتقديم الإغاثة الإنسانية، لغرض إيصال أو تسهيل إيصال المساعدات في سوريا، وأخيراً استبعاد العلاج الطبي والمواد الطبية والغذائية وأي مواد زراعية. أو الإمدادات الإنسانية لتقديم الإغاثة الإنسانية أو المساعدة للسكان المدنيين [3].
كما تدعي السيدة دوهان أن “قانون قيصر” قد “يفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا، لا سيما في سياق جائحة كوفيد-19، ويعرض الشعب السوري لخطر أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان”. لقد بيّنت رابطة كرامة بإسهاب، في تقاريرها الأخيرة [4] [5] ،أنّ النظام يستخدم جائحة كوفيد -19 كذريعة لرفع العقوبات الاقتصادية وضمان طرق متعددة للتمويل والدخل لتمويل حملته المستمرة من القمع و انتهاك حقوق الانسان .لقد تم دحض مزاعم السيدة دوهان، التي تشابه بشكل مباشر مزاعم النظام، من قبل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(OCHA) ، حيث في التحديث عن الوضع الإنساني رقم 06 الصادر في 17 أبريل 2020 [6] ، ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA ومنظمة الصحة العالمية (WHO) أنه زود وزارة الصحة السورية بأدوات الفحص الخاصة بفيروس كوفيد -19 وغيرها من المعدات الطبية لمواجهة الفيروس.
علاوة على ذلك، لم تكن هناك شكوى أو إشارة واحدة من قبل أي منظمة إنسانية دولية بشأن أي عوائق تمنع تسليم مواد الإغاثة أو الأدوية أو أداء المهام في المناطق التي يسيطر عليها النظام بسبب العقوبات.
لم تكن العقوبات هي السبب في زيادة معاناة السوريين المترافقة مع جائحة كوفيد -19، ولكن كما أفادت العديد من المنظمات الدولية ورابطة كرامة، فإن الإجراءات الصارمة والممارسات الفاسدة التي وضعها النظام أثناء تعامله مع وباء كوفيد -19 هي التي كانت وراء تفاقم معاناة السوريين.
لكن الأكثر إثارة للقلق، أن السيدة دوهان، اعتمدت رواية مفادها أن النظام السوري بحاجة إلى الحصول على أموال إعادة الإعمار من أجل تسهيل عودة النازحين السوريين. تم الترويج لمثل هذه الرواية باستمرار من قبل النظام السوري وحلفائه الروس، وكان آخرها في مؤتمر في دمشق الذي تمت مقاطعته من قبل الغالبية العظمى من المجتمع الدولي لأسباب محقّة.
تجد رابطة كرامة أنه من الخطير وجوديًا لملايين النازحين السوريين الإشارة إلى أن عودة النازحين السوريين مرتبطة بإعادة بناء البنية التحتية التي دمرها النظام نفسه، وترى أنه من غير المسؤول تمامًا الدعوة إلى بدء مرحلة إعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي شامل، يضمن حق النازحين السوريين في عودة آمنة وطوعية وكريمة.
كما وثقنا في تقريرنا “نحن سوريا” [7] بناء على استبيان ل 1100 نازح سوري، فإن أكثر من 90٪ من النازحين السوريين غادروا لأسباب أمنية، بينما اعتبر 83٪ منهم أن تفكيك وإصلاح قوات الأمن في سوريا هو الشرط الأول للعودة، فيما جاءت الأوضاع الاقتصادية في المرتبة الثالثة على لائحة شروطهم. كما كشف تقرير جديد لـ رابطة كرامة سيصدر في كانون الثاني 2020 يتضمن مسحاً لأكثر من 500 سوري في مناطق سيطرة النظام ، أن ما يقرب من نصف السوريين في مناطق سيطرة النظام لا يشعرون بالأمان، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 94٪ فيما يسمى بـ “مناطق المصالحة”. حيث أكد ما يقرب من 40٪ من المشاركين الذين تمت مقابلتهم أنهم أو أحد أقاربهم قد تم اعتقالهم، 82٪ منهم بدون أمر محكمة، و74٪ من المشاركين لم يوصوا الآخرين بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام.
بينما دأبت وستواصل دائمًا رابطة كرامة على الدعوة لتسهيل إيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى السوريين في كل مكان، وبالخصوص للمهجرين، وأن العقوبات يجب أن تكون موجّهة ومقترنة بإجراءات فعالة لتخفيف أي آثار جانبية، إننا نعتقد حقاً أنه على المجتمع الدولي أن يواصل ممارسة الضغط الذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير حقيقي في الظروف الأمنية والمعيشية، والذي سيضع حدّاً لانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري.
إن رفع العقوبات بطريقة غير مسؤولة وغير منطقيّة سيفيد النظام السوري فقط ويمكّنه من إلحاق المزيد من الانتهاكات والقمع للشعب السوري، وسيساعد النظام على تعزيز المكتسبات التي حققها وتثبيت واقع التغيير الديموغرافي الذي سعى اليه من خلال الفظائع التي ارتكبها خلال السنوات القليلة الماضية.
لا يمكن ضمان حقوق الإنسان في سوريا من خلال إطلاق عملية إعادة إعمار مبكرة، بل من خلال توفير بيئة آمنة لجميع السوريين. يجب أن تكون إعادة الإعمار في سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتقديم حل سياسي شرعي وشامل ومستدام مع الضمانات الدولية المطلوبة وآليات المراقبة الفعّالة لتأمين بيئة آمنة على النحو الذي يحدده السوريون أنفسهم، والتي من شأنها تمكين عودتهم الآمنة والطوعية والكريمة. يجب أن يبذل خبراء الأمم المتحدة المكلفون بحماية حقوق الإنسان قصارى جهدهم لمساعدة السوريين على تحقيق هذه الأهداف، بدلاً من إعاقة نضالهم من أجل حقوق الإنسان والكرامة.