الكاتب: هدى أتاسي

من الواضح وخلال الفترة الماضية أن الحكومة اللبنانية تخطط للبدء في إعادة حوالي مليون لاجئ سوري إلى سوريا. ويتم ذلك دون تسوية سياسية من شأنها إنهاء الحرب بضمانات لعودة آمنة وكريمة للنازحين. على العكس من ذلك يتم الاتفاق على مثل هذه الخطط في محادثات مع نظام الأسد وتتصور عودة أولئك الذين فروا من الأسد في المقام الأول إلى ما يسمى بـ “المناطق الآمنة” في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وحلفاؤه. مثل هذه السياسة، وعلى الرغم من الاعتماد على الطبيعة “الطوعية” المفترضة لإعادة توطين اللاجئين، يمكن أن ترقى إلى مزيد من الظلم والإيذاء للأشخاص الذين فقدوا كل شيء بالفعل بينما في نفس الوقت تقلل من احتمالات السلام الحقيقي. تُظهر تجربة البلدان الأخرى التي تشهد نزوحاً هائلاً أن العودة المبكرة تثير موجات إضافية من اللاجئين يكاد يكون من المستحيل عكسها. في هذه الحالة قد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من اللاجئين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.

وقال رئيس جهاز الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم في بيان يشير إلى هذه النية إن لبنان يعمل مع دمشق من أجل عودة آلاف اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا. وأعقب ذلك تصريح غير مسبوق من وزير الخارجية جبران باسيل اتهم فيه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بـ “ترهيب الراغبين في العودة طواعية لعدم القيام بذلك” وهدد باتخاذ إجراءات ضد الوكالة الأممية. في الواقع لم تفعل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شيئاً خارج تقييمها والذي يشارك الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وكذلك الوكالات الدولية الأخرى بأن الظروف لعودة اللاجئين عودة آمنة وكريمة إلى سوريا غير موجودة ببساطة.

المعلومات الميدانية الآتية من الأرض تؤكد ذلك. من جهة يعيش آلاف النازحين الذين فروا من الغوطة وحمص ومناطق أخرى إلى إدلب والريف المحيط بها أوضاعاً مزرية. ليس لديهم سكن والطعام نادر والرعاية الطبية شبه معدومة. في الوقت نفسه يواصل النظام والقوات الروسية غاراتهما الجوية على هذه المناطق والتي راح ضحيتها مدنيون أبرياء بمن فيهم النازحون أنفسهم.

أما بالنسبة للعائدين “طواعية” فإن أفضل مثال على الظروف التي يواجهونها يأتي من “المناطق الآمنة” لأولئك الذين أجبروا على مغادرة الغوطة الشرقية وهم محاصرون في مخيمات ومراكز مؤقتة مثل تلك الموجودة في عدرا ونجها والدوير حيث الرجال والنساء والأطفال محشورين في ظروف أسوأ مما واجهوه في أي وقت مضى.
تمكنت بعض العائلات وبعض الجيران من أخذ بعض النساء والأطفال من هذه المعسكرات ولكن ليس الرجال الذين تم إخضاعهم جميعاً “لتحقيقات” من قبل مخابرات النظام. وتم نقل بعضهم إلى السجون من قبل قوات الأمن مع كثرة اتهامات التعذيب والاختفاء القسري.

تم الإبلاغ عن حالات اعتقال واختفاء مماثلة في أماكن أخرى، بما في ذلك الحالات التي عاد فيها اللاجئون إلى ما تبقى من منازلهم. تتطلب التعديلات الأخيرة التي أدخلتها الأنظمة على قانون التجنيد الإجباري من الرجال العائدين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 عاماً دفع “ضريبة” تبلغ حوالي 8000 دولار لتجنب التجنيد في جيش النظام. وغني عن القول إن الغالبية العظمى ممن أُجبروا على العودة من لبنان لا يمكنهم إلا أن يحلموا بمثل هذه الأموال لشراء حريتهم وبقائهم. ويذكر هنا أن هذا “القانون” ليس الوحيد المصمم لمنع العودة الكريمة.

في السنوات العديدة الماضية أقام نظام الأسد شبكة من المراسيم والقوانين المصممة لترسيخ التهجير الذي تحقق بالقوة. من القانون 66 إلى المرسوم 10 سيئ السمعة، حيث يمكّن هذا التشريع النظام من استهداف أولئك الذين فروا من خلال تجريدهم من الملكية أو “التجميد لإعادة الإعمار” لمناطق بأكملها كان يسكنها أولئك الذين عارضوه. وبينما يبحث الدبلوماسيون الدوليون عن طرق لفك تشابك هذه القوانين المجحفة، فإن النظام يسكن هذه المناطق، بما في ذلك مسقط رأسي في حمص، مع الموالين له والمقاتلين الأجانب. تعمل الاستراتيجية على تحقيق تغييرات ديموغرافية كبيرة تجعل عودة النازحين وكذلك أي تسوية سياسية قابلة للحياة أكثر صعوبة واستحالة.

وبحسب الحكومة اللبنانية فقد أشار نظام الأسد إلى استعداده لاستقبال العائدين. يبدو أن الحكومة اللبنانية مستعدة لقبول هذه المؤشرات في ظاهرها بينما يؤكد أي شخص آخر يمارس أي تدقيق منطقي مبدئي أن شروط العودة بعيدة كل البعد عن تلبية الحد الأدنى من ضمانات السلامة والكرامة. لا أحد يستطيع أن يتجاهل العبء الذي حملناه كسوريين على إخواننا وأخواتنا في لبنان، لكن إجبارنا على العودة في ظل هذه الظروف ليس هو الحل. في الواقع، يكاد يكون مضموناً إثارة تدفقات إضافية للاجئين وربما تدفقات لا رجعة فيها في المستقبل غير البعيد. إنه لمن دواعي القلق الشديد أن على اللاجئين السوريين الذين يرغبون في دخول المخيمات التي تديرها الأمم المتحدة في لبنان الآن التوقيع على ورقة مفادها أنهم “سيعودون إلى بلدهم بمجرد أن يصبح آمناً” دون أي ضمانات أو شروط توفر الأمن الأساسي و الكرامة للعائدين.

تم تهجير أكثر من 13 مليون سوري، أي أكثر من نصف سكان البلاد، من ديارهم أثناء الحرب. وتتم مناقشة مصيرهم وتقرير مصالحهم من قبل الآخرين دون أن يكون لهم أنفسهم أي صوت أو مكان على الطاولة حيث يتم اتخاذ القرارات بشأن مستقبلهم. يجب أن يتغير هذا إذا كان مقدراً لسوريا أن يكون لديها أمل في التوصل إلى سلام دائم.
الأسد، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الدول التي استقبلتنا، يجب عليهم جميعاً أن يعلموا أننا نحب بلدنا ولا نريد أكثر من العودة إلى ديارنا، لكننا لن نسكت أو نرضى دون تحقق الحد الأدنى من الشروط المطلوبة للعودة لتكون فرصة حقيقية، ألا وهي ضمان سلامتنا وكرامتنا.