مقدمة

يعتبر اليوم العالمي للاجئين حدثاً خاصاً لأكثر من نصف الشعب السوري الذي كان يشكل ما نسبته ثلاثة بالألف من سكان العالم عام 2011، بينما أصبح في عام 2021 يشكل أكثر من خمسة عشر بالمئة من إجمالي اللاجئين والنازحين في العالم[1].
ومن الجدير بالذكر أن سبب تهجير أكثر من نصف الشعب السوري لم يكن نتيجة كارثةٍ بيئيةٍ كجفافٍ أو مجاعة، أو بسببٍ اقتصادي (رغم المعاناة التي كان يعيشها الشعب السوري)، بل كان بسبب معارضة الأكثرية الشعبية للحكم الشمولي الديكتاتوري الذي يحكم سوريا منذ أكثر من خمسين عاماً، فكان رد النظام على المحتجين بالقتل والاختفاء القسري والتهجير القسري ومصادرة الأملاك.

وحيث أن النظام الحاكم يفرض الخدمة الإلزامية على الشباب السوري ويستعمله كأداةٍ لقمع الاحتجاجات والمظاهرات التي نادت بإسقاط هذا النظام، فقد آثر عشرات الآلاف منهم الهجرة من سوريا حتى لا يشارك في قتل أهله وتدمير بلده،
كما دفعت وحشية النظام وجرائمه التي وثقتها المنظمات الحقوقية، ومن أهمها صور قيصر واستخدام السلاح الكيماوي مرات كثيرة، الكثير من الشعب السوري إلى الهجرة القسرية، مستظلين بحقهم في اللجوء بالاستناد لاتفاقية عام 1951 والتي تمثل الوثيقة القانونية الأساسية المتضمنة للعديد من حقوق اللاجئين ومن أهمها:

  • حظر الطرد إلا تطبيقاً لقرارٍ متخذٍ وفقاً للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون، على أن يُتاح للاجئين حق الاعتراض.
  • ألا تفرض الدول على اللاجئين عقوبات جزائيةً بسبب دخولهم إقليمها أو وجودهم فيه دون إذن.
  • الحق في العمل.
  • الحق في السكن.
  • الحق في التعليم.
  • الحق في الحصول على ما يُمنح في مجال الإغاثة والمساعدة العامة.
  • الحق في ممارسة الطقوس الدينية.
  • حق التقاضي الحر أمام المحاكم.
  • الحق في حرية التنقل ضمن أراضيها.
  • الحق في الحصول على بطاقات الهوية ووثائق السفر[2].

إضافة الى المبدأ الأساسي في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً خطيراً لحياته أو حريته ويعتبر ذلك الآن قاعدةً من قواعد القانون الدولي العرفي.

قرار الدنمارك وتحرك المنظمات الحقوقية

قامت الرابطة السورية لكرامة المواطن بمناصرة قضايا المهجرين أينما كانوا وآخر نشاطاتها  هو التصدي للقرار الذي اتخذته حكومة الدنمارك القاضي باعتبار مدينة دمشق وريفها مناطق آمنة يمكن العودة إليها وبناءً عليه تم نزع الحماية عن كثير
من اللاجئين السوريين من دمشق وريفها، وهذا موقفٌ يتعارض بشكل كامل مع الموقف الرسمي للمفوضية الأوروبية،  ويضرب بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عرض الحائط، فضلاً عن معايير الحماية الخاصة بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، علماً أن الرابطة بدأت نشاطها الحقوقي قبل صدور قرار الحكومة الدنماركية وأصدرت ورقةً تحليليةً بينت فيها أن دائرة الهجرة الدنماركية استندت في تقييمها إلى معلوماتٍ متناقضة، وأن التقرير الذي تم إعداده في تشرين الثاني (نوفمبر) [3]2018 لمساعدة مجلس الهجرة الدنماركي للوصول إلى قراره لعام 2019 بشأن وضع دمشق، إنما هو غير واقعي
في مقاربته – باستخدام عشرات المقابلات فقط ومع خبراء ذوي معرفة محليةٍ قليلةٍ وغير صحيحةٍ في عدة أماكن- ويتناقض بشكل كبير مع سيل التقارير الموثقة عن الاعتقالات التعسفية والتجنيد القسري والمضايقات والابتزاز إضافة لمختلف أشكال المضايقات التي يتعرض لها السوريون في منطقة دمشق وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري[4].

وكانت الرابطة قد أجرت اجتماعاً مع دبلوماسيين دنماركيين للوقوف على تقييم دائرة الهجرة الدنماركية وتقديم دفوعات داحضة لما قدمته دائرة الهجرة وعدم صحة تقييمها ووجوب إعادة دراسة القرار، والاستعانة بمختصين للوصول إلى التقييم الحقيقي والمحايد للوضع في دمشق وريفها.

كما تواصلت الرابطة مع المؤسسات الأخرى ذات الصلة في محاولة لمنع تكرار القرار الدانماركي حتى لا يتحول إلى سابقة تعرض حياة آلاف المهجرين للخطر فخاطبت هيئات الاتحاد الأوروبي – حيث يعد الدنمارك عضواً ناشطاً فيه- وقدمت ​​الوثائق والأدلة التي تثبت أن اللاجئين السوريين الذين أُجبروا على العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا يواجهون الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب والموت والتجنيد الإجباري والابتزاز والتحرش.

في ذات السياق فقد تواصلت الرابطة منذ بداية شهر تموز / يوليو 2020 مع سياسيين أوروبيين وعملت مع منظمات حقوقية دولية وأصدرت عدة مقالات تحليلية لإثبات الطبيعة المعيبة والمتناقضة لتقييم مجلس اللاجئين الدنماركي بأن دمشق وريف دمشق آمنة وتصلح لعودة اللاجئين السوريين.

خاطبت الرابطة مؤخراً، في شهر أبريل من هذا العام، وزير الهجرة والاندماج في الدنمارك، ووزير الخارجية ومجلس (استئناف) طعون اللاجئين مباشرةً، من خلال رسالة خاصة رسمية ومفصلة من مجلس أمناء الرابطة مع ملحقات تشرح الواقع
على الأرض، وتوضح تناقص وعدم دقة التقارير التي اعتمدت عليها السلطات الدنماركية في قراراتها الأخيرة، ويبين كيف
أن قرار حكومة الدنمارك ينتهك بشكل مباشر المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وينتهك حدود الحماية التي تفرضها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتصريحات الدنمارك نفسها حول الواقع في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، وقدمت خطابات مدعومة بوثائق توضح الوضع الحالي والحقيقي للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وأن الاستنتاجات الواردة في تقارير وزارة الهجرة والاندماج الدنماركية ودائرة الهجرة الدنماركية التي تعود إلى عام 2018، وتكررت مؤخرًا في أكتوبر / تشرين الأول 2020 أن “الوضع الأمني ​​في دمشق وريف دمشق قد تحسن بشكل كبير”  كانت غير صحيحة، كما كان استنتاج مجلس (استئناف) طعون اللاجئين (RAB) أن “الوضع في دمشق قد تغير إلى حد أن أشخاصاً لم يتعرضوا لسوء المعاملة بما يتعارض مع المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لمجرد وجودهم” غير صحيح وغير واقعي.

وكان من الواضح أن التقارير والتقييمات اللاحقة التي استخدمها مجلس طعون اللاجئين (RAB) فشلت في توثيق ونقل التهديد الحقيقي الذي يواجه اللاجئين في حالة عودتهم، وفشلت في توضيح حالة انعدام الأمن والقمع المستمرة التي يعاني منها الأفراد في هذه المناطق الآن؛ فضلاً عن  وجود تناقضات كبيرة بين المعلومات التي تحتوي عليها والتقييم النهائي الذي استند الى هذه المعلومات؛ كما أن هذه التقارير لم تبد أي اهتمام  بتقارير المنظمات الحقوقية ذات المصداقية لدى المجتمع الدولي
والتي قدمت معلومات موثوقة عن حجم الاعتقالات والانتهاكات التي تقوم بها حكومة الأسد في دمشق وريفها.

موقف الإتحاد الأوروبي وقرارات حكومة الدنمارك

بعد اتصالات مكثفة قامت بها الرابطة السورية لكرامة المواطن مع مؤسسات الإتحاد الأوروبي صرح أحد المسؤولين في الإتحاد الأوروبي صراحةً أن ” الاتحاد الأوروبي شدد مراراً وتكراراً على أن أي عودة للاجئين إلى سوريا يجب أن تكون عودةً طوعيةً وآمنةً وكريمة ومستدامةً ووفقًا للقانون الدولي، ومتوافقة مع مبدأ عدم الإعادة القسرية”.

كما أكد أن موقف الاتحاد الأوروبي لم يتغير فيما يتعلق بعودة اللاجئين حيث لا يزال العائدون يواجهون العديد من العقبات والتهديدات مثل التجنيد الإجباري والاحتجاز العشوائي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجسدي والجنسي، وغيرها من الانتهاكات”، بالرغم من كل ذلك فإن حكومة الدنمارك تتخذ موقفاً غريباً جداً فهي لم تعد فتح سفارتها في دمشق كون دمشق غير آمنة، ولكنها ستعيد اللاجئين بحجة أن دمشق أصبحت منطقةً آمنة!

(وهذا يدل على التضارب في القرارات في وزارات حكومة الدنمارك ورفض وزارة الخارجية اعتبار أن دمشق مدينة آمنة) واستناداً لقرار وزارة خارجية الدانمارك وجهت الرابطة السورية لكرامة المواطن رسالة رسمية لوزارة الهجرة والاندماج في حكومة الدانمارك، تضمنت الأسئلة التالية:

  1. ما هي المعايير التي تم الاستناد إليها لاعتبار دمشق وريفها مناطق آمنة؟
  2. ما هو سبب التقييم بضرورة سحب الحماية المؤقتة من المهجرين من دمشق وريفها؟
  3. هل ستعيد وزارة الهجرة النظر في تقييمها في ضوء قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر في 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي قرر صراحة أن الأشخاص الفارين من الخدمة العسكرية الإجبارية في سوريا يمكنهم المطالبة بوضع اللاجئ
    في الاتحاد الأوروبي؟
  4. هل الحكومة الدانماركية منفتحة على مراجعة هذه التقارير وتحديد الاختصاصات (والنطاق) الواجب توفرها بالتعاون مع المهنيين المعنيين والنازحين السوريين أنفسهم للوقوف على المخاوف الأمنية التي يواجهها السوريون؟
  5. كيف ترى وزارة الهجرة الدانماركية التناقضات الواردة في تقرير لجنة التحقيق لشهر تشرين الأول \أكتوبر 2020 والذي كان بمثابة الأساس للقرارات الأخيرة بسحب الحماية من اللاجئين السوريين من دمشق وريف دمشق، حيث تتعارض المعلومات الواردة في التقرير بشكل مباشر مع تقييمها النهائي؟
  6. لماذا لم تبد الحكومة الدانماركية أي اهتمام بالتقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية السورية، والتي تتمتع بالمصداقية في كافة المحافل الدولية، التي وثقت بشكل جلّي وواضح الاعتقال والاختفاء الذي تعرضه له العائدون لمناطق الأسد؟

وبالفعل قام الوزير Tesfaye بالرد على الرسالة (متهرباً) دون إعطاء أي جواب حقوقي أو قانوني لما قامت الرابطة بسرده،
ولم يوضح سبب مخالفة حكومة الدانمارك للمادة رقم 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، واكتفى بقوله إن القرار اتُخذ بالاستناد لتقييم الوضع الأمني في دمشق، بل وادعى أن وزارة الهجرة والاندماج لا تقوم بالتقييم بل تقوم به دائرة الهجرة متجاهلاً أن دائرة الهجرة هي تابعة للوزير Tesfaye نفسه وأنه كوزير ليس لديه أي صلاحيات ليتدخل بمثل تلك القرارات
أو التقييمات.

لكن ما تقدم به الوزير من تبريرات وتهرب من الإجابة لا يمت للواقع والحقيقية بصلة، فمن الواضح أن سياسة الحكومة تتعارض بشكل مباشر مع تقييم الاتحاد الأوروبي الخاص، والذي يستند إلى الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، و مع حدود حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتقييمات منظمة العفو الدولية وهيومن رايس ووتش ومنظمات سورية مثل الرابطة السوريا لكرامة المواطن والشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي قدمت كماً هائلاً من الأدلة على أنه لا يوجد مكان آمن في سوريا لعودة اللاجئين بما في ذلك دمشق وريف دمشق.

حتى الآن، لم يرد أي من الوزير أو دائرة الهجرة الدانماركية أو مجلس طعون اللاجئين على أسئلتنا بشأن التناقضات الواردة
في تقرير لجنة التحقيق في أكتوبر 2020 بشأن سوريا، والتي كانت بمثابة حجر الأساس لتقييم دائرة الهجرة الدانماركية
في المقام الأول، والذي كان أكده مجلس استئناف اللاجئين.

وفي الرد الثاني للوزير Tesfaye أصر أن حكومته لا تشارك بعملية إعادةٍ قسريةٍ للاجئين السوريين، ولكن من تم إلغاء الحماية المؤقتة الخاصة به يجب عليه العودة إلى بلده!

وبالنظر إلى القرار الأخير الذي اتخذه البرلمان الدانماركي بإنشاء “مراكز معالجة” للاجئين خارج الاتحاد الأوروبي، نجد أن قرار سحب الحماية عن اللاجئين السوريين هو جزء من نهج سياسي يسعى إلى نزع الصفة الإنسانية عن الأشخاص الأكثر ضعفاً، الأشخاص الذين يفرون من منازلهم بحثاً عن الأمان وحقوق الإنسان الأساسية وجعلهم كبش فداء مقابل مكاسب سياسية قصيرة المدى.

لذا يجب على الحكومة الدانماركية مراجعة هذا القرار ومواجهة الأدلة الدامغة التي تُظهر بوضوح الأساس المعيب الذي تم على أساسه اتخاذ هذا القرار، وأن تكون على يقين أن الطريقة الوحيدة لضمان العودة الطوعية الآمنة والكريمة هي من خلال حل سياسي شامل يضمن حقوق النازحين بضمانات دولية قوية، ونذكر الحكومة بتصريح وزير خارجيتها كوفود حيث قال: “الاستقرار طويل الأمد وإنهاء الصراع بالمفاوضات يتطلب من النظام تغيير سلوكه، الانتهاكات التي ثار ضدها الشعب السوري يجب أن تتوقف الآن “.

النضال الحقوقي لا يتوقف إلا عند نيل الحقوق

قضايا المهجرين واللاجئين ليست طارئة على المجتمع الدولي ولكن ما يميز الحالة السورية هي ضخامة أعداد المهجرين قسراً والذي أدى بدوره إلى تعقيد مسألة العودة وما يتبعها من حقوق.

ففي الوقت الذي تتواتر فيه التفاهمات السياسية لحل القضية السورية، تتأكد ضرورة وحاجة المهجرين السوريين بالاستمرار في السعي والمثابرة والمطالبة بحقوقهم السياسية والمعيشية والقانونية مهما طال الزمن دون كلل أو ملل، والعمل على بناء تيارٍ شعبي حقوقي يأخذ بعين الاعتبار هذه القضايا بكل تفاصيلها وأبعادها دون مواربةٍ أو تململٍ أو تفريط، والسعي لاكتساب المزيد من المؤيدين السياسيين والحقوقيين وبناء تحالفات على المستوى السوري والعربي والدولي سواء أكانوا أفراداً
أو منظمات مجتمع مدني أو حكومات.

فمنذ البداية صدح الشعب السوري بمطالبه وآماله بالحرية والعدالة والكرامة ولن يتحقق ما يصبوا إليه إلا باستمرار النضال بعد أن أبدى الملايين من السوريين رغبتهم في التغيير ودفعوا لأجلها الغالي والنفيس.

إن المعركة التي يراهن عليها نظام الأسد وحلفاؤه هي معركة الزمن والتقادم، معتقدين أن الشعب السوري سيتوقف وسيتململ من المطالبة بحقوقه وسينسى حقه بالعودة الطوعية الآمنة الكريمة، وأن ممارسة الضغوط في بلاد اللجوء وانتهاج سياسية التضييق على السوريين ستدفعهم للعودة لحكم الأسد، لكن إرادة السوريين وعزيمتهم وإصرارهم لانتزاع حقهم ستكون حائلاً أمام تلك الأوهام.

[1] أرقام ومعلومات المفوضية السامية للاجئين https://www.unhcr.org/ar/4be7cc27207.html

[2]اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 وبروتوكول عام 1967 الخاصين بوضع اللاجئين https://www.un.org/ar/observances/refugee-day

[3] Security Situation in Damascus Province and Issues Regarding Return to Syria Report based on interviews between 16 to 27 November 2018 in Beirut and Damascus https://drc.ngo/media/2mqpdxij/syrien_ffm_rapport_2019_final_31012019.pdf

[4] تحليل: الدنمارك تقوم بسابقة خطيرة يجب إيقافها ومعالجتها https://syacd.org/a4tp

  • صورة الغلاف: لاجئون سوريون يحملون لافتات أمام السفارة السويدية في كوبنهاغن ، الدنمارك يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2012. – حقوق النشر لوكالة فرانس برس AFP