إن القرار الصادر هذا الأسبوع عن مجلس الاستئناف للاجئين الدنماركي [1]، والذي يؤكد القرار السابق لدائرة الهجرة الدنماركية [2] برفض منح اللجوء لثلاث سوريات من دمشق، بدعوى أنه “لا يوجد سبب للافتراض بأن الجميع سيكونون في خطر حقيقي للتعرض لاعتداء “، يشكل سابقة خطيرة ويجب إلغاؤها. إن القرار يتجاهل الواقع في دمشق وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، والتي هي أبعد ما تكون عن كونها قريبة من العودة للاجئين.

لقد أكد القرار لدائرة الهجرة الدنماركية، يوم الثلاثاء، أن ” لم يعد الوضع الحالي في دمشق يدعو للاعتقاد بأن أي شخص سيكون في خطر حقيقي من التعرض في انتهاك للمادة 3 من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نتيجة فقط لمجرد التواجد في المنطقة “.

تنص المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة”.

تدرك الدنمارك تمامًا المصير الذي ينتظر السوريين الذين سيعودون إلى سوريا، ومع ذلك فإن دائرة الهجرة الدنماركية استندت في تقييمها إلى معلومات متناقضة. إن التقرير الذي تم إعداده في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018    لمساعدة مجلس الهجرة الدنماركي للوصول إلى قراره لعام 2019 بشأن وضع دمشق، إنما هي (لمسة خفيفة) في مقاربته – باستخدام عشرات المقابلات فقط، بما في ذلك مع خبراء ذوي معرفة محلية قليلة – وغير صحيحة في عدة أماكن. ويتناقض بشكل كبير مع سيل التقارير الموثقة عن الاعتقالات التعسفية والتجنيد القسري والمضايقات والابتزاز إضافة لمختلف أشكال المضايقات التي يتعرض لها السوريون في منطقة دمشق وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

  الواقع في دمشق: اعتقالات تعسفية وتجنيد قسري وخطف.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 25 حالة اعتقال تعسفي في دمشق ومحيطها في شهر مايو، بينما وصل العدد في شهر يونيو وحده إلى 112 معتقلاً. من المحتمل أن تكون هذه الأرقام أقل من المستويات الحقيقية، نظرًا لعدم وصول جميع الحالات إلى المؤسسة الموثقة. لقد وقع أن أكثر من 40 مداهمة شنتها قوات النظام على منازل سكنية في حيي “الحجرية” و “عبد الرؤوف” في مدينة واحدة فقط – دوما بريف دمشق – اعتقلت خلالها قرابة 30 شاباً. للالتحاق بصفوف جيش النظام. وقعت غارات مماثلة في أماكن أخرى.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن النظام يواصل ملاحقة من قاموا بتسوية أوضاعهم الأمنية في المناطق التي وقعت ما يسمى “باتفاقات المصالحة” مع النظام، بما في ذلك في ريف دمشق [3]. وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى 684 حالة اعتقال تعسفي في دمشق ومحيطها منذ مطلع العام الجاري [4].

حتى إن البحث السريع الذي أجرته الرابطة السورية لكرامة المواطنين كشف عن ثلاث حالات من هذا القبيل في الشهر الماضي وحده أو نحو ذلك.

في أوائل شهر أيار، توجهت امرأة نازحة من دير الزور كانت استقرت في دمشق إلى إدارة الهجرة في دمشق لطلب تصريح لأخيها لزيارة سوريا.  حيث يعيش شقيقها في الخارج ولم يكمل خدمته العسكرية. تم اعتقالها من قبل عملاء المخابرات وطلب من زوجها المغادرة. بعد سبعة أسابيع، اتصلوا به ليأخذ جسدها بعد وفاتها تحت التعذيب.

في 26 يونيو / حزيران، شوهد ج.ن.، طالب في جامعة بدمشق (كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية)، وهو يغادر جامعته في الساعة 12 ظهراً لكنه لم يعد إلى منزله حيث لا يزال مفقودًا. وبالمثل، في 30 مايو / أيار، فُقدت س. هـ.، البالغ من العمر 13 عاماً، في ركن الدين بدمشق. لم يتم مشاهدتها منذ ذلك الحين. تتفق عمليات الخطف هذه مع التقارير السائدة عن أجهزة مخابرات النظام وميليشيات مختلفة تستهدف المدنيين باعتقال تعسفي بسبب اعتبار عائلاتهم “مناهضة للنظام” أو لمجرد الحصول على فدية من العائلات. منذ سماع (جلسة الاستماع ل – إصدار) القرار الدنماركي، قمنا بتوثيق حالة أخرى على الأقل من حالات الاختفاء القسري، والتي طُلب منا عدم نشر تفاصيلها، لان العائلة تحاول الاتصال بوحدة استخبارات النظام لمحاولة تأمين إطلاق سراح الشخص العزيز عليهم بدفع الفدية.

هذه المعلومات تتماشى تمامًا مع التقرير الذي صدر عن رابطة كرامة العام الماضي، والذي وثق تجربة النازحين السوريين الذين أُجبروا على العودة إلى مناطق سيطرة الأسد لأسباب مختلفة، بما في ذلك دمشق ومحيطها. حيث أكد التقرير [5] أن حوالي 62٪ من العائدين أو أقرب أقربائهم تعرضوا للاعتقال التعسفي من قبل قوات أمن النظام. وترتفع هذه النسبة إلى 75٪ فيما يسمى بـ “مناطق المصالحة” والتي تشمل أجزاء من ريف دمشق. وهو يوثق بدقة أشكال مختلفة أخرى من المضايقات والاستهداف التي يواجها العائدون، والتي تظهر بوضوح أن الوضع في دمشق يندرج تحت تعريف المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي استندت إليها دائرة الهجرة الدنماركية، والتي تحظر تعرض أي شخص ل “معاملة أو عقوبة لاإنسانية أو مهينة “

يتجلى أحد أكثر أشكال هذه المعاملة اللاإنسانية والمهينة في قسوة في السياسة الحثيثة للتجنيد القسري للشباب السوري في قوات النظام، الذين يتم إرسالهم بانتظام إلى الموت على جبهات القتال في إدلب وشمال حلب.

في 25 حزيران، أصدرت دائرة التجنيد العامة التابعة للنظام قائمة بأسماء 400 شاب من دمشق مطلوبين بتهمة التجنيد الإجباري. بدأت نقاط التفتيش التابعة للنظام بالفعل حملة اعتقالات واسعة النطاق لتنفيذ هذا الأمر، والعديد من هذه الأسماء مطلوب بالفعل من قبل عدة أفرع استخبارات [6]. مرة أخرى، يتماشى هذا مع سياسات النظام الموثقة في تقريرنا “الانتقام والقمع والخوف: الواقع وراء وعود الأسد للسوريين النازحين”، حيث كان 68 بالمائة من إجمالي المستجيبين أو أقاربهم مطلوبين للتجنيد في الخدمة العسكرية الإجبارية، والتي كانت السبب الرئيسي للخوف والشعور بعدم الأمان.

والأهم من ذلك، أن طالبي اللجوء الثلاثة الذين رفضت خدمات الهجرة الدنماركية منحهم حق اللجوء تم تحديدهم على أنهم “قادمون من دمشق أو يعيشون فيها”. الثلاثة، بحسب القرار، أشاروا إلى “الخوف من الوضع العام في سوريا”.

هذا مهم للغاية، لأنه يعني أن الأشخاص الذين فروا إلى دمشق من مناطق أخرى من سوريا ثم وصلوا إلى الدنمارك يمكن اعتبارهم “قادمون أو يعيشون في دمشق”. في حالة عودتهم إلى سوريا، فهذه نقطة مهمة للغاية من شأنها أن تعرض حياتهم للخطر.

حتى لو استطاع هؤلاء العائدون الهرب من الاعتقال والاضطهاد عند عودتهم بعد تحديدهم بوضوح على أنهم “مناهضون للنظام”، فإن سلطات النظام سوف تأمرهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية حيث سيكونون عرضة للاستهداف من قبل نفس القوات التي فروا منها في المقام الأول. إن العنف المستمر في محافظة درعا، والذي يتسبب في نزوح صامت تجاه دمشق، أو استمرار اعتقال المتظاهرين في السويداء [7] وأماكن أخرى في سوريا، يُظهر بوضوح طبيعة هذا التهديد. بالإضافة إلى ذلك، من أجل الوصول إلى مناطقهم الأصلية، سيتعين على هؤلاء الأشخاص التنقل في عالم شديد الخطورة من نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي تديرها المليشيات المختلفة ووحدات الأمن التابعة للنظام، والتي تختفي بانتظام أو تعتقل أو تبتز الناس.

 القرار يتعارض مع موقف الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الدنماركية

يتناقض قرار دائرة الهجرة الدنماركية بوضوح مع الواقع الذي يواجه السوريون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، إضافة إلى أنه أيضًا يتعارض مع تقييمات زملائهم الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا. ففي بيان صدر في 11 حزيران / يونيو، بعد أن مددت ألمانيا وقف إعادة اللاجئين السوريين، صرحت وزارة الخارجية الألمانية بوضوح أنه “لا تزال هناك مخاطر كثيرة على اللاجئين في سوريا، سواء بسبب كثرة الميليشيات ونقاط التفتيش التابعة لها أو الأسلحة التي في أيدي هذه الميليشيات أو المحسوبين على النظام الذين ما زالوا يستخدمونها دون رحمة ضد الشعب السوري عبر أجهزته الاستخبارية الكثيرة [8].

بشكل حاسم وواضح، فإنه يتعارض مع تقييم وزير الخارجية الدنماركي، جيبي كوفود، الذي يتضمن بيانه حول الإفلات المستمر من العقاب على جرائم النظام هذا التقييم الصريح: “النظام معروف بالتعذيب والاعتقالات التعسفية.  حيث يعيش عدد لا يحصى من السوريين في حالة من عدم اليقين المرعب. إنهم يخشون الأسوأ إذ اختفى أحباؤهم في معتقلات النظام. حيث وصفت تقارير عديدة أبشع أشكال التعذيب.” [9] وتم توضيح البيان بصور من تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي المنظمة نفسها التي نقلنا تقاريرها عن الاعتقالات التعسفية وعمليات الخطف في دمشق في وقت سابق من التحليل. هذه هي الحقيقة التي انفجرت على مرأى من الجميع مع إصدار آخر لـ “صور قيصر” للمعتقلين الذين قتلوا في سجون الأسد. ولا تزال تتواصل مثل هذه الاعتقالات بلا هوادة، بما في ذلك في دمشق.

ومع ذلك، فإن تصريح كوفود والأدلة على انعدام الأمن في دمشق تتعارض بشكل مباشر مع كلام زميله الوزير في الحكومة الدنماركية، وزير الهجرة والاندماج ماتياس تسفاي، الذي أشار إلى أن وزارته ستراجع مئات طلبات اللجوء، مبرراً ذلك. بالقول إنه “في العام الماضي، عاد ما يقرب من 100،000 لاجئ إلى سوريا من المناطق المحيطة. بالطبع، يجب على مواطنيهم الذين حصلوا على الحماية في أوروبا العودة إلى ديارهم عندما تسمح الظروف في سوريا بذلك “.

أولاً، هذه الأرقام مضللة للغاية. هناك 13 مليون نازح سوري، مما يجعل الرقم المذكور لا يزيد عن 0.77٪ من إجمالي عدد النازحين السوريين. كما وثقنا في تقريرنا “بين المطرقة والسندان”، فإن معظمهم من الأشخاص الذين أُجبروا على العودة، بشكل أساسي من لبنان بسبب الظروف المعيشية القاسية التي يوجهونها في أماكن النزوح أو لأسباب شخصية أخرى. أدى الواقع الذي واجهوه عند العودة إلى أن أكثر من 60٪ من هؤلاء الأشخاص يبحثون الآن عن طرق لمغادرة سوريا مرة أخرى، هذه المرة بشكل دائم، بسبب الظروف غير الآمنة التي واجهوها عند عودتهم – اعتقالات تعسفية، وتجنيد قسري، ومضايقات، وعدم القدرة على استعادة الممتلكات.، إلخ.

وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بشأن خطورة الخطوة التي قدمها قرار دائرة الهجرة الدنماركية بعدم تمديد الحماية للاجئين السوريين من دمشق، إن سوريا ليست آمنة للعودة، لا في دمشق أو بقية سوريا. العودة الجزئية، مثل تلك التي تروج لها الحكومة الدنماركية، لا بد أن تعرض للخطر الأشخاص الذين يستحقون بوضوح الحماية بموجب إطار حماية الأمم المتحدة ذي الصلة وقانون اللاجئين في الاتحاد الأوروبي. يتعارض القرار بشكل واضح مع أحكام المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي يتذرع بها كمبرر، مشيرًا إلى عملية التقييم الخاطئة في تحديد مستوى التهديد الذي يواجه العائدون إلى دمشق. إضافة لذلك، فإن عدم وضوح المعايير في تحديد مستوى التهديد بالتعرض “للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة” المستخدمة لاتخاذ هذا القرار، يشير إلى أن دمشق اليوم وفي المستقبل سوف يتم تطبيق نفس المعايير المتساهلة على حمص أو حلب أو درعا أو أي جزء آخر من سوريا. ما سيؤدي إليه هذا، دون أدنى شك، كما ورد في أوراقنا البحثية، هو موجات نزوح جديدة مع محاولة المزيد من الأشخاص ومغادرة سوريا من اجل الوصول إلى أوروبا، إذا نجوا بشكل دائم.

يجب على الحكومة الدنماركية مراجعة هذا القرار في مواجهة الأدلة الدامغة التي تظهر بوضوح الأساس المعيب الذي تم على أساسه. الطريقة الوحيدة لضمان ذلك هي من خلال حل سياسي شامل، يضمن حقوق المهجرين بوجود بضمانات دولية قوية. في هذا الصدد، دعونا نقتبس مرة أخرى وزير الخارجية الدنماركي كوفود: “الاستقرار طويل الأمد هو نهاية تفاوضية للصراع”. يتطلب الأمر من النظام تغيير سلوكه. وإيقاف الانتهاكات التي ثار ضدها الشعب “. ونحن نتفق مع ذلك. قبل التفكير في أي عودة، يجب أن تتوقف مثل هذه الانتهاكات من قبل النظام. في دمشق وفي كل مكان في سوريا. يجب أن تكون عودة اللاجئين السوريين آمنة وطوعية وكريمة. أي شيء آخر، بما في ذلك عمليات العودة الجزئية التي تعرض الناس لنفس التهديدات التي فروا منها، هو وصفة لكارثة ستؤثر في المقام الأول على السوريين، لكنها ستتردد إلى ما هو أبعد من سوريا والمنطقة.