إن أكثر من نصف سكان سوريا التي كانت قبل الحرب قد أصبحوا اليوم نازحين. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، يمثل السوريون أكبر عدد من النازحين قسراً في العالم. وقد اضطر نحو 13 مليون سوري إلى مغادرة منازلهم منذ عام 2011، عندما بدأت الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد. كما تم إجبار نصفهم تقريباً على مغادرة البلاد؛ ولذا تستضيف تركيا والأردن ولبنان وألمانيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين.
أما الآخرون وعددهم 6.2 مليون شخص، فإنهم قد نزحوا داخلياً، ومعظمهم في الشمال الغربي والشمال الشرقي من البلاد، حيث يتواجدون في مناطق خارج سيطرة قوات الأسد. إن مصير هؤلاء المواطنين النازحين يمثل مسألة محورية بشأن استدامة أي حل سياسي مستقبلي لإنهاء الصراع وضمان إحلال سلام دائم ومستقر.
ويرغب ما لا يقل عن تسعة ملايين نازح سوري في العودة إلى ديارهم، لكنهم بحاجة إلى رؤية تغيرات كبيرة تحدث في الظروف الموجودة على الأرض قبل أن يقرروا الشروع في تلك العودة. إن الأمن يظل هو همهم الأول، ويجب أن يشكل هذا أساساً لكل محادثة ونقاش يسعى لمعالجة هذا النزوح غير المسبوق للمدنيين الذي يمثله الصراع السوري.
إن حقوق النازحين – وتتمثل في المقام الأول في حقهم في العودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى ديارهم – هي الأكثر أهمية على الإطلاق عند النظر في العواقب طويلة الأمد في حال استمرار المعاناة والنزوح لفترات طويلة. ويستمر النزوح… وقد نزح أكثر من مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر فقط في بداية عام 2020 بسبب المجازر التي ترتكبها قوات الأسد وحلفائهم الروس والإيرانيين في بلدات ومدن إدلب وشمال حلب. وقد خلق هذا الوضع معاناة لا توصف. لقد تم تشريد الأطفال والنساء والرجال عدة مرات، وتم إجبارهم على العيش في مخيمات مؤقتة على الحدود السورية التركية في أقسى أوقات فصل الشتاء، وفي ظروف لا إنسانية بالمرة.
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة، لم تكن هناك عودة كبيرة إلى سوريا، باستثناء عدد هامشي من الناحية الإحصائية من الحالات الفردية التي تم إجبار الناس فيها – ولأسباب مختلفة – على اللجوء إلى هذا الخيار. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حقيقة أن النظام يواصل القمع في المناطق التي يسيطر عليها. وقد قام تقرير سابق في هذه السلسلة بتوثيق ذلك، وهو تقرير تم نشره في العام الماضي، وهو يسرد الأخطار التي تواجهها تلك الفئة القليلة من الناس الذين جرى إجبارهم على العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد. ومنذ نشر ذلك التقرير في أكتوبر 2019، تدهور الوضع بشكل أكبر، مع تداعيات الانهيار الكامل للاقتصاد والخدمات الأساسية. لقد أصبحت سوريا الآن دولة فاشلة، في ظل بذل جهود واسعة النطاق لإحداث التغيير الديموغرافي بها؛ إنها دولة فاشلة تسيطر عليها روسيا وإيران بالكامل تقريباً.
ويصف هذا التقرير الجديد نتائج مسح شمل 1100 شخص نازح، كما أنه يحلل ردودهم على الأسئلة التي تم طرحها عليهم حول أسباب فرارهم من سوريا، وحول ما يشعرون به وهم يعيشون في أماكن النزوح، وما إذا كانوا يريدون العودة إلى ديارهم، وما هي الشروط التي يجب استيفاؤها من أجل جعلهم يشعرون بالأمان للقيام بتلك العودة بطريقة كريمة وطوعية.
وتسلط إجابات المستجيبين لأسئلة المسح الضوء على الأوضاع المدمرة والمقلقة التي تسببت بها عمليات النزوح المتعددة والمتكررة، وكذلك مدى انخفاض مستوى الحماية ومشكلة تقلص الفرص التي تواجه السوريين في بعض المجتمعات المضيفة. وبسبب تدهور وتراجع هذه الظروف المعيشية، أفاد معظم المستجيبين بأنهم شعروا بأن لديهم إمكانية للوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها من أجل تقرير ما إذا كانوا سيعودون إلى سوريا، ولكنهم في الواقع لم يكونوا على علمٍ بالكثير من العوامل الحاسمة التي تشكل مخاطر هائلة عليهم إذا فعلوا ذلك وعادوا بالفعل. إن خطر هذا الشعور بعدم الارتياح وضعف المعلومات هو تحديداً إمكانية حدوث العودة المبكرة، والتي تكون قد تمت قبل استيفاء شروط العودة، مع احتمال حدوث عواقب خطيرة، بل ومميتة، تبعاً لذلك.
ويعتمد التحليل الوارد في هذا التقرير على عينة تمثيلية كبيرة؛ بما يوفر معلومات غنية بشكل فريد. وقد بذل باحثو ’الرابطة السورية لكرامة المواطن‘ جهوداً كبيرة في الوصول إلى النازحين السوريين في مختلف البلدان، وكذلك داخل سوريا، لاستكشاف ما يحفز تفكيرهم في العودة إلى ديارهم بالتفصيل، وكان ذلك من أجل الوصول إلى تصورٍ ملئ بالتفاصيل المحددة حول العوامل والمسائل التي يرى السوريون النازحون أن هناك حاجة إلى حدوث تغيير كبير بها من أجل إمكان تحقق عودتهم إلى منازلهم بأمان. وتتعلق معظم هذه المخاوف بالأمن، ولكن بعضها اجتماعي واقتصادي أيضاً. وتهدف هذه المعلومات إلى إعلام واضعي السياسات والمدافعين عن الحقوق بكيفية العمل للمساعدة في إنهاء النزاع في سوريا ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم بأمان.
وتشكل الآراء المقدمة في هذا التقرير مجتمعةً مع بعضها البعض ’خارطة طريق‘ لمساعدة واضعي السياسات والممارسين على معالجة هذه التحديات وحماية حقوق النازحين في سوريا، بحيث تكون لديهم فرصة واقعية في بناء وتشكيل حل شامل ومستدام يضمن هذه الحقوق، ويأخذ في الاعتبار الهواجس والمخاوف المشروعة التي لدى النازحين.
إنه من الضروري بناء حل سياسي تكون حقوق النازحين السوريين هي جوهره والمكون الأساسي له، وكذلك خلق بيئة تضمن العودة الآمنة والطوعية والكريمة باعتبارها العمود الفقري لذلك الحل. كما يتوجب أن يتضمن ذلك حل الصعوبات التي يعاني منها غالبية النازحين السوريين من أجل إنهاء النزاع في سوريا. وقد تكون العملية صعبة، وقد تكون الحلول معقدة وصعبة، ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة المستدامة والواقعية لمنع الحرب من أن تصبح نزاعاً لا ينتهي؛ نزاع تتخلله دورات متكررة من العنف بما يزعزع استقرار المنطقة ويؤثر داخلها وخارجها.
وبينما يبدأ هذا الواقع – تدريجياً ولكن بشكل حتمي – بإعطائنا إشارات حول مسار العملية السياسية وما يتعلق بمستقبل سوريا، فإنه سيكون من الأهمية بمكان ضمان تمثيل وجهات نظر النازحين السوريين بشكل شامل وحقيقي وكافٍ لإرشاد وتوجيه ما سيأتي من قرارات وحلول الرئيسية. سيحدد النازحون السوريون بأنفسهم ما يشكل الحد الأدنى من الشروط اللازمة لعودتهم الآمنة والطوعية والكريمة. ويجب أن يتم الاستماع إليهم وأن يؤخذوا على محمل الجد.
بإمكانكم تحميل التقرير الكامل من الرابط التالي: