تعتبر السويداء جزءاً من الجنوب السوري، الذي لم يهدأ منذ بداية الصراع عام 2011، وتشهد حالياً تصعيداً ملحوظاً قد يؤدي إلى انفجار المنطقة بأكملها.

وشهدت عدة مناطق من المحافظة، منذ بداية عام 2022، انطلاق عدة مظاهرات ضد النظام ورفع المتظاهرين فيها شعارات تندد بسياسات النظام الفاشلة، التي أدّت لتدهور حاد في الأوضاع المعيشية، كما طالبوا بتطبيق القرار الأممي رقم 2254، الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا.

وفي مطلع شهر شباط 2022، قطع المتظاهرون الطرق الرئيسية والفرعية في المحافظة، حتى الطريق الذي يربط السويداء بالعاصمة دمشق.

ويعود السبب الرئيسي وراء موجات الاحتجاجات المتكررة هو تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتراجع مستوى الخدمات التي يوفرها النظام للمحافظة، ورفضاً لمحاولات روسيا وإيران المستمرة لتوسيع نفوذهما، وكان أهم سبب هو استمرار ضغوط النظام وحليفته روسيا لفرض التجنيد الإجباري على الآلاف من شباب المحافظة، الذين يمتنعون عن الالتحاق بقوات النظام.

وتفاقم الوضع أكثر، بعد محاولة النظام تشكيل قوة عسكرية من الشباب الرافضين للخدمة الإلزامية، بقيادة نجل العميد “عصام زهر الدين”، الذي تم قتله في دير الزور سابقاً.

تصاعد الانتهاكات والأحداث في ظل غياب أي حل:

في يوم السبت 23-7-2022، حصلت حادثة خطف لعدد من المدنيين في مدينة الشهباء بريف السويداء من قبل عناصر مليشيات تتبع للأمن العسكري في النظام السوري، والتي تطلق على نفسها مليشيات “قوات الفجر”، ويقودها راجي فلحوط.

أشعلت حادثة الخطف الأخيرة شرارة الانتفاضة الشعبية، وأدّت إلى انفجار شعبي في كامل المحافظة ضد النظام السوري، تبع ذلك نشوب اشتباكات هي الأكبر من نوعها ومواجهات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين الفصائل المحلية ومليشيات قوات الفجر، وقطع أبناء المحافظة الطريق الدولي بين السويداء ودمشق من بلدة عتيل شمالاً إلى مدينة شهبا، واعتقلوا ضباط من قوات النظام، ثم بدأت عمليات اقتحام واسعة لمقرات مليشيات قوات الفجر ومحاصرتها وإلقاء القبض على جميع العناصر المتواجدين فيها.

وأشارت شبكة السويداء 24 إلى أن الفصائل المحلية تمكنت من تحرير المخطوفين بعد اقتحام مقر راجي فلحوط واعتقاله، بعد محاصرته مع عدد من عناصره في بلدة عتيل، لكن ما تم تداوله عن إلقاء القبض على فلحوط غير مؤكد حتى الآن.
وبعد أن سقطت مقرات فلحوط في أيدي الفصائل المحلية والثائرة، أحرقت الفصائل، يوم الثلاثاء 26/7/2022، المقر الرئيسي لمليشيات فلحوط في بلدة سليم، الذي كان مركزاً للخطف والقتل والتعذيب.

وكانت الشبكة قد أكدت مقتل 4 أشخاص من أهالي مدينة الشهباء نتيجة قصف أحياء المدينة بقذائف الهاون من قبل مليشيات قوات الفجر، وإصابة طفلة من بلدة سليم جراء الاشتباكات العنيفة. وارتفعت حصيلة قتلى الاشتباكات إلى 17 وإصابة العشرات، بحسب ما نقله نشطاء ووسائل إعلام محلية.

هذه الأحداث ليست أحداثاً استثنائية، بل هي دليل على الاضطرابات المستمرة في السويداء، وعملت وحدة جمع وتحليل المعلومات في الرابطة السورية لكرامة المواطن على توثيق حوادث الاعتقال والخطف والاغتيال في الأعوام الأخيرة في محافظة السويداء، حيث وثق فريقنا 32 حادثة اعتقال في عام 2020، و62 حادثة خطف و25 حادثة اعتقال و14 حادثة اغتيال في عام 2021، كما تم توثيق 12 حادثة خطف و15 حادثة اعتقال و56 حادثة اغتيال في النصف الأول من عام 2022، تُظهر هذه الزيادة في الانتهاكات والأعمال العدائية في المحافظة بوضوح أن السويداء غير آمنة للعودة مثل أي منطقة خاضعة لسيطرة النظام في سوريا.

تتشابه الأدوات التي يستخدمها النظام السوري ضد الشعب السوري من حيث الممارسات والجرائم والمضايقات للمدنيين في كل المناطق التي يسيطر عليها، على الرغم من اختلاف بعض الأحداث بين منطقة وأخرى، إلا أنها كلها جزء من نفس النمط القمعي الذي يجعل سوريا بأكملها غير آمنة وخطيرة.

ظهر جلياً محاولات النظام تنفيذ أجندته من خلال جماعات وعصابات مسلحة تعمل بتوجيهاته، خاصة مع تنامي قوة الفصائل المحلية عام 2015، حيث برزت عمليات التجنيد بشكل واسع في ذلك العام، وكان فرع الأمن العسكري يستقطب الجماعات المحلية المسلحة، رغم تورطها بعمليات القتل والخطف والانتهاكات ضد المدنيين، ويعمل على تجنيدها وتسوية أوضاعها ومنح أفرادها السلاح والبطاقات الأمنية المؤقتة.

ووصف ناشطون الأحداث الجارية في السويداء بأنها تعيد إلى الذاكرة انتفاضة 2011، من مشاهد حصلت في إدلب وحمص وحماة وحلب ودمشق في بداية الثورة الشعبية.

إن حملات الاعتقالات والإخفاء القسري مستمرة، وعمليات الخطف في السويداء بازدياد، ومحاولات الاغتيال في درعا بازدياد أيضاً، كل ذلك يمثل دليلاً على أن ضمانات النظام السوري ووعوده الفارغة لا تعني شيئًا عملياً، ولا يمكن لروسيا أبداً أن تكون ضامناً للسلام في سوريا، ولا توجد بيئة آمنة في سوريا يمكن السوريين العودة إليها.

والنظام الذي يسيطر على السويداء هو المستفيد الرئيسي والوحيد من حالة الفوضى في المحافظة، وكل الدلائل تشير إلى أن سياساته لا تهدف إلى تحقيق أي سلام أو استقرار في سوريا، ولا تهدف إلى تهيئة بيئة آمنة لعودة السوريين إلى منازلهم ومناطقهم، وإنما لضمان سيطرته الكاملة على البلاد بأعداد ضئيلة من السكان الأصليين.

ويواصل النظام سياسته القمعية في المناطق الخاضعة لسيطرته، حتى ضد الأشخاص الذين وقعوا اتفاقيات التسوية الشخصية في مناطق المصالحة وغيرها. وتتشابه سياسات وممارسات النظام الأمنية في جميع المناطق الواقعة تحت سيطرته، مما يجعل من المستحيل على المهجرين التفكير في العودة إلى سوريا.

تورط ميليشيات النظام في تصنيع وتهريب المخدرات:

وقد ثبت تورط مليشيات قوات الفجر في مسار تصنيع وتهريب المخدرات باتجاه الأردن عبر الجنوب السوري من خلال اكتشاف مصنع للمخدرات وضبط آلات ومكابس لتصنيع حبوب الهلوسة والمخدرات في مقراتها.

وكانت حركة رجال الكرامة[1]، قد أعلنت أنها عثرت على مصنع للمخدرات وضبطت آلات ومكابس لتصنيع حبوب الهلوسة والمخدرات في مقر راجي فلحوط. وأظهرت الصور أكياساً صغيرة توضع فيها بعض أنواع المخدرات بعد تصنيعها، في تشابه مع شكل تغليف المخدرات المضبوطة على يد الجيش الأردني خلال السنوات الماضية.

في الوقت الذي تحولت فيه سوريا إلى دولة مصدرة للمخدرات، أصبحت درعا والسويداء مركزاً لحزب الله لتصنيع المخدرات وتهريبها، مستغلين حالة الفقر في المنطقة.

واتهم مدير مديرية أمن الحدود في القوات المسلحة الأردنية، العميد الركن أحمد هاشم خليفة، ما أسماه بـ “القوات غير المنضبطة” في جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية بدعم مهربي المخدرات وتنفيذ عمليات التهريب، مشيراً إلى أن “حدود الأردن مع سوريا أصبحت أخطر حدود المملكة”.

في 22 مايو/ أيار، أعلنت القوات الأردنية أنها أحبطت عملية تهريب كبرى على الحدود الشرقية للمملكة مع سوريا، وصادرت 637 ألف حبة كبتاغون و181 ورقة حشيش بحجم النخيل و39600 حبة ترامادول.

وفي هذا السياق، أرسل عضو الكونغرس الأمريكي فرينش هيل وبراندان بويل والسناتور روجر مارشال رسالة إلى وزارة الخارجية، كتبوا فيها “بالإضافة إلى انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب بانتظام ضد شعبه، أصبح نظام الأسد في سوريا الآن دولة مخدرات. إن إنتاج وتجارة المخدرات، الكبتاغون، ليس فقط شريان حياة مالي حاسم للأسد، بل يشل السكان المحليين أيضاً، ويعمل على تقويض الأسر والمجتمعات المحلية، ويمول الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة”.

روسيا وإيران تستغلان الواقع المعيشي الصعب:

مع ازدياد سوء الأوضاع المعيشية وارتفاع نسبة البطالة ووجود آلاف الشباب الرافضين للخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام، استغلت روسيا وإيران تلك الأوضاع وعملت على الضغط أكثر على الأهالي من أجل تجنيد شباب في صفوف قوات النظام أو في تشكيلات عسكرية أو ميليشيات مسلحة.

وأشارت شبكة السويداء 24 إلى ضلوع “حزب الشباب السوري الوطني” المرخص لدى حكومة النظام السوري، في تجنيد شبان من السويداء ومحافظات مختلفة، وأن أمين فرع الحزب في المحافظة، شبلي الشاعر، هو المسؤول عن ملف تجنيد الشباب في السويداء، بدعم من شركة فاغنر الروسية.

يوضح ذلك بشكل لا لبس فيه أن النظام وحلفاءه لا يعملون فقط على الانتقام من الشعب، بل يشير أيضاً إلى أن روسيا وإيران تغذيان الاضطرابات وتسببان حالات الفوضى الأمنية في المنطقة.

[1] حركة رجال الكرامة هي حركة اجتماعية مسلحة تنشط في محافظة السويداء جنوب سوريا تأسست عام 2013 .