إن الوضع في سوريا لا يوصف، فرغم الظروف المأساوية التي يعاني منها السوريون في النزوح سواءً في الداخل أو في الدول المضيفة، إلا أنهم لا يزالون غير راغبين بالعودة، باستثناء قلة منهم مجبرون على العودة لأسباب مختلفة. يعود السبب في ذلك بشكل رئيسي إلى حقيقة أن الظروف التي أدت إلى النزوح في الأصل لا تزال موجودة اليوم، ولا يزال النظام السوري يضطهد السوريين في المناطق التي يسيطر عليها.

بينما حددت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عتبة الحماية الأولى “حدوث انخفاض كبير ودائم في الأعمال العدائية.” كعتبة تشير إلى سلامة عودة اللاجئين النازحين، من المهم الإشارة إلى أن الأعمال العدائية لا تقتصر على الأعمال العسكرية فحسب، بل تعني أيضاً الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسريّ والتصفية الميدانية وعمليات الاغتيال.

الادعاء بأن الانخفاض في عدد الوفيات المبلغ عنها يوميًا، مقارنة بذروة التدمير في السنوات السابقة، هو مؤشر على انخفاض الأعمال العدائية، ليس بأي حال من الأحوال مؤشرا على ما يسمى بتحسن الوضع الأمني في البلاد، حيث إن مئات الآلاف من السوريين إما محتجزون بشكل تعسفي أو مختفون قسراً. بينما تتواصل الاعتقالات التعسفية والقتل والاختفاء القسري في مناطق مختلفة من البلاد، وأُجبر ملايين السوريين على الفرار من البلاد خلال السنوات الماضية، وموجات الفرار بحثاً عن ملاذ آمن لا تزال مستمرة حتى اليوم.

ترصد هذه النشرة مدى استيفاء عتبة الحماية الأولى “حدوث انخفاض كبير ودائم في الأعمال العدائية” من العتبات الحماية التي حددتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خلال النصف الأول من عام 2022.

تستند النشرة على تحليل بيانات أولية حصرية، التي جمعها فريق الرصد في الرابطة السورية لكرامة المواطن وبيانات ثانوية من مصادر أخرى موثوقة مثل الشبكة السورية لحقوق الانسان. تم اعتماد تقسيم الانتهاكات خلال فترة الرصد على حسب مناطق السيطرة، والفاعل وحلفائه، ونوع الانتهاك.

الانتهاكات في مختلف المناطق السورية عن النصف الأول من عام 2022:

عندما يتم وضع نتائج بحث SACD في سياق المعايير الخاصة بالمفوضية – عتبات الحماية – نرى أن الغالبية العظمى لم يتم الوفاء بها، مما يرسم صورة رهيبة لللاجئين أو النازحين داخلياً المجبرين على العودة قبل أن يتحقق الحد الأدنى من الشروط. يجب أن تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالإبلاغ علناً عن هذا الواقع، لكلٍ من النازحين السوريين حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن العودة، وكذلك صناع القرار والمانحين الدوليين.

1 – الانتهاكات حسب مناطق السيطرة:

بلغ عدد الانتهاكات التي رصدها فريق الرابطة السورية لكرامة المواطن في مناطق سيطرة النظام السوري في النصف الأول من عام 2022 أكثر من 602 انتهاكاً بحق المدنيين، في حين بلغ العدد في مناطق سيطرة قسد 332 انتهاكاً، ووصل العدد في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة إلى 360 انتهاكاً.

الشكل 1: الانتهاكات بحسب مناطق السيطرة

2 – الانتهاكات حسب الفاعل وحلفائه:

وفقاً لنتائج الاحصاءات المرصودة عن الانتهاكات في مختلف المناطق السورية يعتبر النظام السوري الفاعل الرئيسي للانتهاكات سواء في المناطق الخاضعة لسيطرته أو باقي المناطق السورية فقد وصل عدد الانتهاكات المرصودة على يد النظام السوري وحلفائه خلال النصف الأول فقط من عام 2022 إلى 667 انتهاكاً، كما تم رصد 316 انتهاكاً على يد قسد وحلفائها، وحوالي 311 انتهاكاً على يد المعارضة السورية وحلفائها.

الشكل 2: الانتهاكات بحسب الفاعل وحلفائه.

3 – أعداد الانتهاكات بحسب نوع الانتهاك:

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان SNHR خلال النصف الأول من عام 2022 أعداد الضحايا بحسب أنواع الانتهاكات في مختلف المناطق السورية، فبلغ عدد القتلى 568 قتيلاً، كان أكثرها بنسبة 23% في محافظة درعا، ثم 16% في محافظة حلب.

من بين أعداد القتلى أكثر من 115 طفلاً و53 امرأة. كما بلغ عدد المعتقلين أكثر من 1024، بنسبة 23% في محافظة حلب، و15% في ريف دمشق، من بين المعتقلين 49 طفلاً و29 امرأة، بحسب المصدر ذاته.

الشكل 3: أعداد الانتهاكات بحسب نوع الانتهاك.

الشكل 4: توزع الانتهاكات بحسب المحافظات السورية.

وجدت التقارير الصادرة عن الرابطة السورية لكرامة المواطن في عام 2021 أن السوريين، الذين أُجبِروا على العودة إلى مناطق سيطرة النظام بسبب النزوح أو عبر ما يعرف بـ “المصالحات” لا يشعرون بالأمان أيضًا، مع مستويات عالية من الخوف خلال الحياة اليومية. إن شعورَهم بانعدام الأمن تَشكَّل من خلال الأحداث التي شاهدوها أو تعرضوا لها بشكل مباشر، فحوالي (50%) من الناس في المناطق التي يسيطر عليها الأسد لا يشعرون بالأمان، بمن فيهم أولئك الذين لم يغادروا أبدًا، و(67%) من العائدين من خارج سوريا لا يشعرون بالأمان، وأولئك الذين يعيشون في مناطق المصالحة هم الأسوأ حالًا، حيث قال (94%) أنهم لا يشعرون بالأمان، ويشير معظمهم لقبضة السُّلْطات الأمنية وانعدام الأمن وتفشي الجريمة كأسباب لعدم الشعور بالأمان، حيث لا توجد مناطق آمنة، وتُظهر بعض الإجراءات العملية للسلامة أن الأمن هشٌّ في كل مكان؛ بسبب السياسات الأمنية من قبل  السُّلْطة نفسِها.

تؤكد هذه النتائج والاحصائيات أن العتبة الأولى “حدوث انخفاض كبير ودائم في الأعمال العدائية”، التي تعتبر من أهم عتبات الحماية في الاستراتيجية الشاملة للحماية والحلول CPSS للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين غير محققة حتى الآن في سوريا، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على النزاع. ومن واجب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تبيان مخاطر العودة إلى سوريا في ظل استمرار انتهاك عتبات الحماية.

إن الأعمال الحربية لا تعني الاشتباكات العسكرية كالقصف والتفجير والقتال وحسب، وإنما تشمل أيضاً عمليات الاعتقال والتعذيب المستمرة لعشرات الآلاف من الأبرياء الذين يحتجزهم النظام، إضافة إلى الاختفاء القسري الإعدامات الميدانية والجرائم الأخرى المرتكبة بحق المدنيين.

ومع استمرار الأعمال العدائية لا يمكن ضمان عودة آمنة وطوعية وكريمة للمهجرين إلا بعد إيقاف الانتهاكات ضد الشعب السوري، وأيضاً من خلال حل سياسي شامل، يضمن حقوهم بضمانات دولية واقعية، ويحاسب المجرمين على كل جرائمهم في محاكم دولية عادلة.

كان هذا موجزاً مقتضباً عن الواقع من حيث عتبة الحماية تم شرحها سريعاً بناءً على المعلومات المتوفرة. تتحمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحسب الوثيقة التي أصدرتها للاستراتيجية الشاملة للحماية والحلول CPSS مسؤولية جمع هذا النوع من المعلومات والقيام بالمراقبة وتقديم التقارير حول الحدود الدنيا للحماية بشكل دوري إلى جميع الأطراف المعنية بما فيها النازحين السوريين والدول المضيفة.

يجب توفير معلومات دقيقة ومفصلة في أوانها إلى منظمات المجتمع المدني واللاجئين فيما يتعلق بالحدود الدنيا للحماية والظروف في مناطق العودة وتجارب العائدين من اللاجئين والنازحين داخلياً من خلال منصات عامة لكي يتمكنوا من الوصول إليها بأنفسهم حينما يدرسون قرار العودة. فلا يمكن اعتبار العودة مستنيرة أو طوعية ما لم يأت ذلك الوقت الذي يتم فيه توفير هذه المعلومات.