يبحث هذا التقرير عدداً من الأسباب التي أدت إلى عودة عدد من اللاجئين السوريين إلى ديارهم على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تحيط بتلك العودة، بما في ذلك طول أمد المأساة السورية . وتدهور الظروف المعيشية في بلدان اللجوء وأماكن النزوح والضغوط القانونية والأمنية التي يواجهونها. وقد أشارت بعض البلدان والمنظمات الدولية إلى أن عدد هؤلاء النازحين واللاجئين العائدين دليل علي مدى أمان خيار العودة إلى ديارهم. ووجدت فيه تبرير لإعادة جميع اللاجئين السوريين إلى وطنهم فوراً (بالإكراه، وفي بعض الحالات قسرياً). وقد نشر نظام الاسد وروسيا وبعض الوكالات الدولية أرقاماً غير دقيقة أو خارج السياق حول عودة اللاجئين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. ولا تعكس هذه الأرقام التفاصيل الأساسية المتعلقة بالاسباب التي جعلت هؤلاء الأفراد مضطرين للعودة.
حيث قدرت الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا من الأردن في الفترة من تموز 2018 وحتى نهاية آذار 2019 (أي خلال الأشهر التسعة الأولى من المبادرة الروسية) بما مجموعه 8070 لاجئأ وهو رقم يقترب كثيراً من تقديرات الحكومة الأردنية، فيما قدرته الحكومة الروسية بحوالي 87 ألف لاجئ أي بأكثر من عشرة أضعاف الأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة والحكومة الأردنية. كماقدرت الأمم المتحدة عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا من لبنان في الفترة ذاتها بـ 14496 لاجئ فيما قالت مديرية الأمن العام اللبنانية بأن هذا الرقم وصل إلى 100 ألف”. وقدرته الحكومة الروسية ب 55 ألفاً.

وفي هذا الإطار تشير المعطيات إلى أنه حتى في حال اعتماد المعطيات الروسية، يبقى عدد من عاد إلى سوريا من اللاجئين المتواجدين في لبنان والأردن خلال تلك الفترة ضئيلاً فهو يبلغ حوالي 142 ألف لاجئ أي حوالي 2.7 بالمئة من عدد اللاجئين المسجلين يوم إعلان المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين. وهكذا لم تأت أرقام العائدين من اللاجئين السوريين طوعاً إلى بلادهم على مستوى التوقعات حتى الآن وتحديداً التوقعات الروسية. لا سيما أن تحريك هذا الملف يعتبر من أولويات موسکو حيث يعد قضية مفتاحية في جهودها الرامية إلى إظهار استقرار المناطق الخاضعة لسيطرة الاسد من خلال العمل على إظهار أن العقبة الوحيدة امام عودة اللاجئين الكاملة هي مجرد دمار المناطق السكنية. ووفقا لهذه الرؤية الاستراتيجية الروسية ينبغي أن يمول الاتحاد الأوروبي عملية اعادة الإعمار والذي من الناحية النظرية، ينبغي أن تؤدي في نهاية المطاف إلى عودة بقية النازحين واللاجئين السوريين. وإضفاء الشرعية الكاملة للانتصار الروسي في سوريا. وفي هذا السيناريو الروسي، سيقوم النظام وحلفاؤه الروس بضمان حقوق الأمن والسلامة والكرامة ومن وجهة نظر روسيا فإن عودة اللاجئين والمشردين داخلياً إلى المناطق الخاضعة للنظام في ظل الظروف الراهنة وبدون ضمانات دولية عنصر أساسي للحل السياسي الذي سيمنح نظام الأسد الشرعية الدولية، وبالتالي يجعل ذلك فكرة الانتخابات معقولة في إطار الوضع الحالي، ولكن الأهم من ذلك أنها ستسمح بتدفق أموال إعادة الاعمار إلى النظام السوري.

ولكن الواقع مختلف جذرياً عن ذلك المنظور الروسي وقد أخفقت جميع المبادرات السياسية الدولية التي أطلقت حتى الآن في إرساء أساس متين لعملية تستجيب لشواغل اللاجئين فيما يتعلق بما يشكل الحد الأدنى من شروط العودة الطوعية والآمنة والكريمة، على النحو الذي يكفله القانون الدولي وتجدر الاشارة الى النقص الشديد في المعلومات الموثوقة والدقيقة المتاحة للاجئين والنازحين داخليا للسماح لهم باتخاذ قرار مستنير بشأن ما إذا كانوا سيعودون في ظل الظروف الراهنة. وهناك فجوة مماثلة في المعلومات المتاحة لصانعي السياسات الدولية بشأن دوافع وتجارب الأشخاص الذين عادوا إلى المناطق الخاضعة للأسد بحيث أن المعرفة لتلك المحددات على ارض الواقع لا يرتقي إلى الحد الأدنى من الشروط التي من الممكن أن يعول عليها حالياً.

ويأتي هذا التقرير ضمن سلسلة من التقارير الموضوعية التي تسعى إلى سد هذه الفجوة في المعلومات حيث أن هذا التقرير و هو الثاني من هذه السلسلة التي تقوم بها وحدة جمع البيانات وتحليلها التابعة للرابطة السورية لكرامة المواطن و تهدف هذه الدراسة للتحقيق في أسباب عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام علي الرغم من الافتقار إلى الحد الأدنى من الشروط الضامنة للعودة الآمنة في ضوء الأنباء المتواترة التي تتحدث عن الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي تم توثيقها في حق العائدين.

حيث قام الباحثون بإجراء مقابلات مع 112 من العائدين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والذين غادر بعضهم مرة أخرى بعد عودتهم. ويمثل المستجيبون لاستبيان الدراسة طيفا واسعا من المجتمع السوري من مختلف القطاعات الديموغرافية والمناطق الجغرافية. ونذكر هنا أن التقرير الأول في هذه السلسلة قد حمل عنوان (الانتقام والقمع والخوف الواقع وراء وعود الأسد اللاجئين والنازحين السوريين) قد أصدر بتاريخ (2019 تشرين الأول /أكتوبر) و تمت فيه مقابلات مجموعات مختلفة من 165 شخصاً شاركوا بتلك الدراسة الأولى.

وتبين ردود العائدين التي جمعت في هذه الدراسة استحالة العودة الآمنة الطوعية الجماعية في الظروف الراهنة. والأغلبية الساحقة منهم قد اصيبوا بخيبة أمل عقب عودتهم نتيجة في عدم الوفاء بالوعود التي قطعها النظام وحلفاؤه، بالإضافة إلى عدم توافر معلومات موثوقة وشاملة حول الأوضاع التي تنتظر العائدين من الوكالات الدولية العاملة في سوريا بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وجاء هذا التقرير ليعزز نتيجة التقرير الأول من خلال مجموعة جديدة من المشاركين حيث أن معظم العائدين قد أبدوا ندمهم على عودتهم ويسعون على نحو جاد للمغادرة مجدداً من مناطق سيطرة النظام. ولعل أهم النتائج التي يؤكدها التقرير هي افتقار العائدين للمعلومات الضرورية اللازمة لاتخاذ قرار العودة كما ان غالبية العائدين قد اضطروا للعودة تحت ضغط ظروف الحياة القاسية سواء في أماكن نزوحهم أم في بعض بلدان اللجوء.

لقراءة التقرير كاملاً يمكنكم تحميله كملف PDF: