في الحوار الذي دار حول ماهية الظروف التي يمكن أن تشكل بيئة آمنة في سوريا، مثل تلك الظروف الموضحة في ورقة الموقف التي أعدتها الرابطة السورية لكرامة المواطن حول خارطة الطريق لبيئة آمنة في سوريا، تم التعبير عن عدد من التهديدات مرارًا وتكرارًا. من أبرز هذه التهديدات التهديد بالاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب.
الجلسة الثالثة والتي كانت بعنوان البيئة الآمنة والعدالة: مصير المعتقلين والمختفين قسرياً والمختطفون كأساس لبيئة آمنة، تناولت هذا الموضوع. أدارت الجلسة هيا الأتاسي، مديرة وحدة الإعلام والتواصل في الرابطة.

من مؤتمر جنيف:

هيا أتاسي من الرابطة السورية لكرامة المواطن، السيد فضل عبد الغني رئيس مجلس إدارة الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومؤسسها، والسيد مازن غريبة من الاتحاد السوري البريطاني، والسيد رياض أفلار من جمعية المعتقلين السابقين في سجن صيدنايا، والسيدة سيلجا إيبرسولد من رابطة المحامين السوريين الأحرار والسيد أسامة عثمان من مجموعة ملفات قيصر

حددت الجلسة حجم الاعتقالات التي يمارسها النظام السوري وناقشت استخدام النظام للاختفاء القسري كسلاح. وناقشت كيف استمرت الاعتقالات على الرغم من قرارات العفو المفترضة من قبل النظام. كما ناقشت الجلسة نطاق العمل الدولي المحتمل، بما في ذلك آلية محتملة للحصول على معلومات حول مكان ووضع المحتجزين. أخيرًا، ناقشت الجلسة الإصلاحات والضمانات القانونية التي ستكون مطلوبة قبل التفكير في وجود بيئة آمنة في سوريا.

افتتح السيد فضل عبد الغني رئيس ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حديثه عن الوضع الراهن لحقوق الإنسان في سوريا. وأوضح أنه على الرغم من صعوبة التمييز بين العائدين والسوريين الذين لم يغادروا، فقد سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما يقرب من 3100 حالة لعائدين محتجزين منذ عام 2014؛ تم إطلاق حوالي 1800، بينما اختفى ما يقرب من 900 (أي حوالي الثلث) ولا يُعرف مصيرهم. وأشار إلى أن هناك اعتقادًا خاطئًا أنه عندما يتوقف القصف والمعارك في منطقة ما فإن الاعتقالات تتوقف أيضًا – وهذا غير صحيح.

وأقر بأن عبء اللاجئين يجب أن يتم تقاسمه بشكل متساوٍ بين الدول في جميع أنحاء العالم، بدلاً من مجرد وضعه على عاتق تركيا ولبنان ودول مجاورة أخرى. وقد أشار أيضًا إلى أنه إذا أعلنت تلك الدول من جانب واحد شروط “بيئة آمنة” ولم تتوفر هذه الشروط، ثم أعادت السوريين بعد ذلك إلى سوريا وهي غير آمنة، فإنهم سيكونون بذلك قد ارتكبوا انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

أخيرًا، قدم السيد عبد الغني تقارير حديثة للشبكة السورية لحقوق الإنسان تظهر أنه على الرغم من قرارات العفو الصادرة عن رأس النظام السوري، لا تزال الانتهاكات مستمرة كالاعتقال التعسفي والقتل تحت التعذيب:

ولذلك نوه السيد فضل بالقول إن قرارات العفو الصادرة عن النظام السوري ليست ذات صلة – فقد استمرت أفعالهم على الأرض في خلق بيئة غير آمنة. وأشار أخيرًا إلى أن سوريا هي أسوأ بلد في العالم من حيث الاختفاء القسري والتعذيب، حيث يوجد ما لا يقل عن 111907 مختفٍ قسريًا منذ عام 2011:

السيد مازن غريبة، وهو المدير التنفيذي للمجلس السوري البريطاني، شكك في الرواية الشائعة بأن المنظمات المدنية المعارضة تقوم بتسييس ومنع عودة اللاجئين من أجل الضغط على النظام السوري. وأكد أن السوريين أنفسهم يريدون العودة في حال كان باستطاعتهم بناء مؤسساتهم المدنية وحياتهم الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى انتقال ديمقراطي طويل الأمد عبر الأجيال. النظام السوري يعرف ذلك تماماً، وبالتالي لا يرغب في عودتهم، ويتحدث الأسد بدلاً من ذلك في خطاباته عن “مجتمع أكثر تجانسًا”.

ثم أوضح أن أكثر أمرين يشكلان مصدر خوف لمعظم اللاجئين هما الاحتجاز والتجنيد الإجباري. لذلك، ذكر السيد مازن أن شروط العودة الموضحة بالتفصيل في التقرير ستشمل الإفراج الكامل عن جميع المعتقلين وضمان الحقوق المدنية التي من شأنها أن تمنع أي اعتقالات في المستقبل. بالإضافة إلى إعادة الممتلكات المصادرة إلى أصحابها الشرعيين وحل المحاكم الاستثنائية ومحاكم الإرهاب وإلغاء قوانين مثل تلك التي تمنع الخروج غير المشروع من سوريا.

أخيرًا، أكد السيد مازن غريب على أن اللاجئين ليسوا كتلة واحدة: قد تكون هذه الإصلاحات كافية لعودة بعض اللاجئين، لكن قد يرغب آخرون في البقاء حيث هم، خاصة أولئك الذين يتمتعون بوضع اللجوء في أوروبا.

بعد ذلك تحدث السيد رياض ألفار من جمعية معتقلي سجن صيدنايا وهو نفسه معتقل سابق. وأوضح أنه في حين أن الاعتقال القسري كان شائعًا للغاية في سوريا قبل عام 2011، فقد ازداد حجم الاعتقال القسري بشكل كبير منذ ذلك الحين، وربما يكون الأكبر في العالم. وأشار إلى أنه بين عامي 2011 و 2020، دخل نحو 35 ألف شخص سجن صيدنايا، وتم الإفراج عن حوالي 5000 شخص، تاركين عددًا كبيرًا لا يُعرف مكان وجودهم. وأوضح السيد ألفار أنه تم تحديد العديد من المقابر الجماعية، وهي مهمة عمل عليها هو ومنظمته. وأضاف أنه على الرغم من أن مسؤولي النظام ينفون علمهم بمثل هذه الأعمال، فإن الأوامر جاءت من الأعلى – من الأسد ومن خلال رئيس أركانه.

ووصف كيف يتم اعتقال الناس فجأة وتقديمهم للمثول أمام محاكم عسكرية مع موظفين عسكريين يعملون كقضاة مزيفين، ثم يُدانوا ويُسجنون دون معرفة أقاربهم بمكان وجودهم. أخيرًا، اختتم السيد ألفار مداخلته بوصف مؤثر لتجربة وآثار سجن صيدنايا:

كما تعلمون هناك كلمة تستخدم بالمعتقلات السورية وهي كلمة “سخرة” وتعني العمل التطوعي، وهو عمل جميل للمعتقل، لكن عليكم أن تضعوا نصب أعينكم أن هذا العمل التطوعي هو نقل جثث اصدقائه الموتى للمستشفى. تخيلوا أنه وفي الأفرع الأمنية كان السجناء يضعون الجثث فوق بعضها لأنه لم يكن هناك متسع لهم ليناموا وكان يمضون الليل واقفين على أرجلهم أو يضطروا للنوم فوق الجثة ربما لثلاثة أيام …

العودة الآمنة فكرة جميلة، فجميل للإنسان أن يرجع لوطنه، وانا نفسي كنت أحلم باليوم الذي سأرجع فيه إلى وطني وإلى قريتي لأجلس تحت الشجرة التي زرعها والدي، كلنا نحن لبلادنا ونحبها، ولا أحد يحب أن يبقى في المغترب رغماً عنه.

فيما يتعلق بقضية الاختفاء القسري، وكما تعلمون في التقرير الذي أصدرته رابطة معتقلي صيدنايا والذي غطى الفترة ما بين 2011 – 2020 حيث أثبتنا أن شبكة المبتزين والتي قوامها محامون وضباط مخابرات وعسكريين وقضاة ووسطاء حصلت على ما يقارب 900 مليون دولار، والتي تعتبر ميزانية دولة، من خلال فقط جلب أخبار للمواطنين عن أوضاع أبنائهم في المعتقلات، هناك أهالي باعوا ممتلكاتهم واحدهم باع أرضه ليحصل على خبر بسيط عن إبنه، ما يحصل أمر فظيع، لذلك لا يمكن الحديث عن البيئة الآمنة وكل هذه الأمور موجودة. يجب أن ندرك أن كل يوم في سجن صيدنايا يعادل ألف سنة من الخوف لأن كل مرة يفتح الباب تظن أن العسكري آت لقتلك. أحد الجنود وهو معروف لسجناء صيدنايا باسم عزرائيل (ملك الموت)، كان هذا الرجل إذا دخل الجناح في السجن لا يخرج إلا وقد قتل 3 أو 4 أشخاص غير الكثيرين الذين يعذبهم، وهو مجرد عسكري، وبالطبع كل هذا القتل خارج نطاق القانون. بدون حل هذه القضايا وعلى رأسها قضية الاعتقال في سوريا برأيي لا يمكن الحديث عن أي بيئة آمنة.

بعد ذلك أشار السيد أسامة عثمان من مجموعة ملفات قيصر إلى أنه على الرغم من التوثيق المكثف الذي أجراه قيصر، وهو المصور العسكري الذي قام بتهريب أدلة على جرائم النظام السوري، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء. وأشار إلى الاختلاف بين ملفات قيصر وعقوبات قيصر والتي هي تكتيك سياسي تنتهجه الولايات المتحدة ويخدم المصالح الأمريكية. أخيرًا، ذكر أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية أو ملموسة بخلاف التوثيق بعد نشر هذه الصور.

شددت المتحدثة الأخيرة السيدة سيلجا إيبرسولد من رابطة المحامين السوريين الأحرار على أهمية إشراك الضحايا بشكل مباشر في عملية تحقيق العدالة بما يتجاوز مجرد المقابلات أو الحوارات. وأوضحت أنه عندما يشارك الضحايا والمتضررون في هذه العملية، فإنهم في النهاية يكونون أكثر رضا عن نتائجها. ثانياً، شددت على الحاجة إلى توثيق قانوني عالي الجودة يفي بمعايير المقبولية، ويمكن استخدامه في حال إنشاء محاكم جنائية جديدة ذات اختصاص قضائي في سوريا.

ثم أوضح السيد مازن غريب أن هناك بعض المناقشات التمهيدية حول إنشاء آليات دولية لتحديد مصير المعتقلين السوريين. وأشار إلى أن أهالي المعتقلين يجب أن يفهموا بوضوح الخطوات المتوقعة ويس أولها إخلاء السبيل وإنما مجرد معلومات عن المعتقلين. كما وصف بعض العقبات، من بينها عدم مشاركة منظمات المجتمع المدني السوري، مضيفًا أنه لا بد من بذل جهود ضغط لإشراكها. ثم أشار السيد فضل عبد الغني إلى أن هذه الآليات الدولية لا تزال في مراحل النقاش والتداول، وأكد الحاجة إلى تخفيف التوقعات.

سُئل السيد أسامة عثمان عن المنفعة المحتملة من ملفات قيصر. وأوضح أنه أولاً، تسمح وثائقهم للعائلات بفهم ما حدث لأقاربهم المحتجزين. يمكن أن يكون لهذا أيضًا آثار قانونية بما في ذلك الزواج أو الميراث. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أنه ربما لا يمكن للقانون حاليًا أن يمس الأسد أو كبار المسؤولين، لكن الجرائم والانتهاكات يرتكبها جنود أو مسؤولون من رتب منخفضة يجب أن يفهموا أنهم سيحاسبون يومًا ما. وأن هؤلاء المجرمين، الذين هم شركاء للشعب في نفس الوطن، يجب أن يحاكموا في يوم من الأيام إذا أردنا لسوريا أن تحقق السلام الاجتماعي والتماسك.

أخيرًا، حذرت السيدة سيلجا إيبرسولد من الكلام ببساطة عن عفو عام، مشيرة إلى أن قرارات العفو التي أصدرها نظام الأسد لا تتمتع بقدر كبير من المصداقية حتى الآن. وأوضحت أنه بدون تغيير في النظام وممارساته في الاعتقال التعسفي، فلن يتغير شيء يذكر. لذلك من المهم جمع المعلومات حول مكان ووضع المحتجزين بالإضافة إلى نهج أكثر شمولاً وطويل الأمد.

ثم فتحت الجلسة للأسئلة والتعليقات. وشكر الحضور المتحدثون في الجلسة على جهودهم في جمع المعلومات. كان الاتجاه العام هو التشكيك في مفهوم العفو أحادي الجانب من النظام السوري. وبدلاً من ذلك، دعا معظمهم إلى اتفاق سياسي أوسع، مدعوم بضمانات دولية، يؤسس في نهاية المطاف نظامًا قضائيًا مستقلاً تماماً.

تساءل العديد عن التأكيد على ضرورة الحد من التوقعات، وبدلاً من ذلك دعوا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات تجاه إجبار نظام الأسد على إطلاق سراح المعتقلين. كما أشار عدد منهم إلى أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي قادران على ممارسة المزيد من الضغط واتخاذ إجراءات أكثر صرامة مما قاموا به حتى الآن، كما في حالة أوكرانيا.

واتفق السيد فضل عبد الغني وبشكل كبير مع السائلين، قائلاً في نهاية المطاف إنه سيواصل الضغط من أجل مزيد من العدالة والمزيد من الإفراج عن المعتقلين، ولن يرضى أبدًا حتى يتم إطلاق سراحهم جميعًا. وأكد السيد مازن غريب على نفس الرغبة قائلاً: “إذا تمكنا من تأمين الإفراج عن 1000 معتقل، فسنعود على الفور ونسأل” ماذا عن الـ 199000 الآخرين؟” واضاف أنه بينما يعد الضغط من أجل تحقيق بيئة آمنة أمرًا ضروريًا ومهمًا، فإن هذه الآليات المحتملة للحصول على معلومات حول المعتقلين مهمة أيضًا. وفي النهاية، اتفق الجميع على الحاجة إلى استمرار العمل في جميع المجالات وعلى كل المستويات وطرق كل الأبواب باستخدام جميع الآليات الممكنة.

يمكنكم إيجاد كل المواد والفعاليات المتعلقة بالبيئة الآمنة من الرابط التالي: