الكاتب: خالد تركاوي

في 10 فبراير اندلعت اشتباكات بين مواطنون أتراك وبعض السوريين في منطقة إسنيورت في اسطنبول. إلى أن تدخلت قوات الأمن التركية تعرض عدد من المحلات التجارية للسوريين للهجوم والتلف. جاء هذا الحادث وسط تصاعد ملحوظ في خطاب الكراهية الذي يستهدف السوريين في تركيا. في أعقاب الانتخابات البلدية الأخيرة كان الإعلان الأول لرئيس بلدية المعارضة الجديد “إمام اوغلو” هو إلغاء المساعدات للاجئين السوريين في مدينته والتوقف عن إصدار تراخيص جديدة للاستثمارات التجارية من قبل السوريين، بما في ذلك فتح محلات جديدة. تم تبني هذا الموقف العدائي تجاه اللاجئين السوريين خلال الحملة الانتخابية من قبل مئات المرشحين الذين ترشحوا للانتخابات البلدية الأخيرة في جميع أنحاء تركيا مما يعكس اتجاهاً جديداً تجاه السوريين الناشئين في بعض شرائح المجتمع التركي.

في الوقت ذاته وعلى الطرف الآخر من الحدود السورية شنت روسيا قصفاً عنيفاً على بلدات وقرى في إدلب واستخدام لنوع جديد من الصواريخ عالية الانفجار لأول مرة في هذه المناطق، مما أدى إلى تدمير المباني وقتل الأشخاص المحاصرين بداخلها. ونشر هذا القصف الروسي الوحشي الخوف والرعب بين السكان، ما دفع عشرات الآلاف من المدنيين إلى التوجه نحو الحدود السورية التركية التي اعتبروها آمنة نسبياً من القصف. وتبقى آلاف العائلات هناك في العراء، تحتمي بأشجار الزيتون بالقرب من الحدود وتنتظر انتهاء القصف. في الأيام الثلاثة الأولى من القصف وثقت المنظمات المحلية وصول 12257 عائلة إلى الحدود السورية التركية وهذا الرقم يتزايد بشكل يومي. وقدر مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عدد النازحين بسبب الموجة الجديدة من الهجمات بأكثر من 140 ألف شخص. وأكدت الأمم المتحدة استهداف المستشفيات والمخابز والمدارس واستهداف آليات “الدفاع المدني” التي كانت تنفذ عمليات الإنقاذ الإسعافي.

النازحون المحاصرون قرب الحدود السورية التركية يبحثون باستمرار عن طرق لدخول تركيا عبر شبكات التهريب. حتى الآن تمكن أكثر من ثلاثة آلاف شخص – وفقاً لمصادر مقربة من الرابطة السورية لكرامة المواطن – من عبور الحدود بهذه الطريقة. ويعتقد أن هذه الأعداد ستزداد أكثر مع تصعيد القصف والعمليات البرية المحتملة على إدلب. وهم لا ينوون البقاء في تركيا. مع القيود والتأخيرات الملحوظة في إصدار بطاقات الحماية المؤقتة “الكيمليك” للسوريين وتصاعد الخطاب العدائي الذي يستهدف اللاجئين السوريين، دخل عدد كبير من السوريين إلى تركيا هذه الأيام، بالإضافة إلى بعض الذين يعيشون في تركيا منذ فترة من الوقت يتطلع الجميع بشكل متزايد للوصول إلى أوروبا.

في 3 مايو عُثر على جثة طبيب سوري يُدعى محمود الحسن بالقرب من ساحل مدينة بودروم التركية عندما غرق قارب يقله مع سوريين آخرين أثناء محاولتهم اللجوء إلى أوروبا. هرب الدكتور الحسن من درعا إلى الشمال السوري قبل بضعة أشهر ودفع أموالاً للمهربين لدخول تركيا. شرع على الفور في محاولة الوصول إلى أوروبا. في اليوم التالي لغرق الحسن استولى حرس الحدود التركي على قاربين كانا يحاولان الوصول إلى أوروبا من نفس المكان وعلى متنهما ما لا يقل عن 10 سوريين.

منذ بدء الحملة العسكرية الروسية على إدلب بدأت مجموعة من السوريين في تنظيم قافلة ستحاول الوصول إلى أوروبا. وتستند المبادرة إلى فكرة “قافلة الأمل” التي تم إطلاقها في شباط، والتي حصدت حتى الآن دعماً من حوالي 50000 شخص. وتستقطب هذه المبادرة أنظار أعداد كبيرة من النازحين السوريين حالياً في تركيا، حيث عقدت عدة اجتماعات في حي الفاتح وسط مدينة اسطنبول لمناقشة تنظيم هذه القافلة. مع التدفق الجديد للاجئين من إدلب لا بد أن تنمو مثل هذه المبادرات بشكل مستمر. تقدر منظمات المجتمع المدني في سوريا أن إدلب تأوي حوالي أربعة ملايين نازح من مختلف مناطق سوريا. هؤلاء النازحون منتشرون في مناطق وقرى مختلفة في المحافظة ويعانون من ظروف معيشية قاسية ونقص في الإمدادات والموارد الأساسية، لكنهم غير مستعدين للعودة إلى مناطق سيطرة الأسد خوفاً من القتل والاضطهاد والاعتقال والتجنيد الإجباري. لكن مع شن قوات النظام هجوماً واسع النطاق على إدلب بمساعدة القاذفات الروسية فلن يكون أمامها خيار آخر سوى محاولة الوصول إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. مع هذا التدفق الكبير للاجئين لن تتمكن تركيا من السيطرة على محاولات اللاجئين للوصول إلى أوروبا بأي وسيلة متاحة عن طريق البحر أو البر.

بعد ثماني سنوات من المعاناة والتهجير الأخير في إدلب وعدم وجود ضمانات بأنهم سيكونون قادرين على العودة إلى سوريا على الإطلاق دون التهديد بالانتقام من قبل النظام والاعتقال والتجنيد الإجباري، فإن النازحين من إدلب ليس لديهم الكثير ليخسروه.