تواصل قوات النظام عمليات هدم الممتلكات الخاصة للنازحين السوريين. حيث هدمت وحدات من الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد مستخدمة الآليات الثقيلة والجرافات قبل عدة أيام عشرات المنازل في مدينة حرستا بالغوطة الشرقية. وأثناء هدم أكثر من 50 منزلاً أقامت قوات الأسد نقاط تفتيش منعت السكان من دخول منازلهم وأراضيهم رغم الحصول على الموافقات الأمنية مسبقاً. الناس في المنطقة يعلمون أن هذا الإجراء هو استمرار لمصادرة الممتلكات بموجب القانون رقم 10 سيئ السمعة والذي تم استحداثه لتجريد النازحين السوريين من منازلهم في الضواحي المجاورة مثل القابون وحي تشرين وبرزة.
تقسم مدينة حرستا إلى قسمين، شرقي وغربي، يفصل بينهما طريق دمشق – حمص السريع، وتعتبر المنطقة الغربية المنطقة الزراعية للمدينة. حيث أغلقها النظام في أيار 2017 بعد احتلال قوات الأسد للمنطقة، لكن سُمح للنازحين منها بزيارة منازلهم والعمل في الأرض بموجب “اتفاق المصالحة” والتصاريح الأمنية اليومية الخاصة. إلا أن النظام استمر في عمليات الهدم طوال هذه الفترة بحجة تطهير المنازل غير الصالحة للسكن والأنفاق تحت الأرض. تم منع الملاك والمقيمين من العودة إلى ممتلكاتهم. الآن أصبح الإغلاق دائم وتزايدت عمليات الهدم. كما أصدرت ميليشيات الأسد المتمركزة على مدخل القابون أوامر بمنع أهالي المنطقة من دخول أحيائهم بشكل دائم وفق تعليمات تلقوها من ضباط الفرقة الرابعة.
السبب في ذلك أن القانون رقم 10 وخطة الاستيلاءعلى المنطقة تعود لصالح “محمد حمشو” رجل الأعمال المقرب من نظام الأسد، والذي يبدو أنه يخطط للبناء في المنطقة بموجب أحكام القانون 10 والذي بدوره فتح الباب أمام مصادرة مماثلة لأملاك الناس لصالح مشاريع تنموية خاصة.
القانون رقم 10 الذي أصدره النظام في عام 2018 تحت غطاء إعادة الإعمار وتم الترويج له حينها باعتباره “إجراء تخطيط المناطق المأهولة” للمناطق التي دمرت في الحرب، يجرّد غالبية النازحين من ملكية ممتلكاتهم بسبب العقبات الإدارية والقانونية التي يفرضها عليهم. عملية “إعادة تنظيم” حالة العقارات التي يمتلكونها. حتى لو كانوا لا يزالون يمتلكون وثائق ملكية لأملاكهم فإن القانون يضمن عدم تمكنهم من تجديد أو إعادة البناء في المناطق المخصصة لـ “إعادة التنظيم”. تضمن “الطبيعة المانعة” للقانون منع السوريين من إعادة إعمار أو ترميم منازلهم إلا بموافقة السلطات. هذه هي نفس السلطات التي أصدرت قرارا “بإعادة تنظيم” المنطقة والذي يلغي حق المالكين الشرعيين في البيع والشراء والرهن والحصول على تصاريح البناء والترميم. الطريقة التي يعمل بها القانون هي أنه يجب على مالك العقار أولاً تقديم اعتراض، وفي غضون عام يجب عليه المثول أمام الجهات المختصة والحصول على الموافقات الأمنية اللازمة أو إرسال أحد الأقارب للقيام بهذه المغامرة الخطيرة. الاقتراب من الأجهزة الأمنية للحصول على مثل هذه الموافقات ينطوي على خطر حقيقي على حياة المالك بالنظر إلى أن العديد من اللاجئين والنازحين كانوا من المؤيدين للمعارضة. والحقيقة هي أنه في معظم المناطق التي نزح منها الأشخاص لا يُسمح بالعودة وأن معظم الناس ليس لديهم أقارب هناك يمكنهم التصرف نيابة عنهم.
من المرجح أن يكتشف أصحاب العقارات الذين تتركز آمالهم في التمتع بحياة آمنة مرة أخرى في سوريا، أن ممتلكاتهم قد ضاعت أو تقلصت بشكل كبير وأنهم لا يستطيعون استردادها. سيكتشف أولئك الذين يحاولون العودة أن الوضع قد تغير بشكل جذري لصالح النظام وأن الإطار القانوني التمييزي في سوريا يجعل عودة عدد كبير من السوريين شبه مستحيلة.
حرستا هي أحدث مثال على نية النظام الواضحة لمنع عودة النازحين واللاجئين السوريين والعمل على إحداث تغيير ديموغرافي دائم. هذه الإجراءات هي السبب الرئيسي للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي تم تمديدها الآن لتشمل جميع المتورطين في مثل هذه التعاملات مع النظام، بما في ذلك الكيانات والأفراد السوريون والدوليون أيضاً.
يجب على السوريين وخاصة أولئك الذين يعيشون في ظل النظام، قبول أنه لا يمكن رفع العقوبات ولا يمكن الوصول إلى حل سياسي مستدام لسوريا حتى يتم إيقاف وإلغاء تصرفات النظام التمييزية والتي يعد من أبرزها القانون 10، وأن يتم الحفاظ على حقوق النازحين السوريين في مجملها، بما في ذلك ملكية ممتلكاتهم.