زكريا زكريا
رصدت الأمم المتحدة عودة “طوعية” لنحو 13700 نازح داخلياً في داريا والحجر الأسود وحمص جنوبي ووسط سوريا في تشرين الثاني الماضي، إلى جانب ارتفاع حالات النزوح إلى 22300 في الشهر نفسه في مناطق أخرى شمالي سوريا.
وقال “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” في تقرير له بتاريخ 2021/12/29، إن حركة العودة الطوعية التي تم تعقبها زادت بنسبة 43% عن تشرين الأول الماضي، وأن أكثر من 5400 عودة تلقائية (39%) حصلت في محافظة ريف دمشق. وأشار المكتب إلى أنه على مستوى النواحي، استقبلت ناحية مركز داريا في ريف دمشق أكبر عدد من حركات العودة الطوعية في تشرين الثاني بنحو 2500 عائد، بينما استقبلت ناحية حمص في محافظة حمص نحو 2000 نازح عاد طوعياً. وخلال الفترة نفسها استقبلت ناحية الحجر الأسود في ريف دمشق أكثر من 1500 حركة عودة طوعية، في الوقت الذي استقبلت ناحية جبل السمان بمحافظة حلب أكثر من 1000 حركة عودة طوعية.
إن الأعداد التي ذكرها تقرير مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة الصادر بتاريخ 2021/12/29 والأعداد والاحصائيات التي ذكرها سابقاً -حيث إن هذا التقرير يصدر بشكل شهري عن مكتب الشؤون الإنسانية- هي أعداد مضللة للسوريين خصوصاً وللرأي العالمي عموماً حيث إنه لم يتم تحديد مصدر هذه الأرقام والاحصائيات بدقة؛ كما لم يحدد نوعية الشريحة المجتمعية التي يشكلها هؤلاء العائدون.
وذكر هذا التقرير والتقارير المشابهة له أيضاَ الأماكن التي شهدت عودة -طوعية- لهؤلاء النازحين ولكنه لم يأت على ذكر الأماكن التي جاءت منها هذه العودة الطوعية على حسب تعبيرهم ولم يأت على ذكر دوافع وأسباب هذه العودة.
داريا التي كان يقطنها 250 ألف مواطنٍ قبل الثورة ومع بداية الحراك الثوري فيها وانتقال الثورة إلى السلاح غادرت أعداد ليست بالقليلة منها وانتقلوا إلى مناطق وأحياء في العاصمة أكثر استقرارا بنظرهم فبعد تدمير شبه كامل لداريا جرى اتفاق بين المحاصرين وأهلها من جهة والنظام من جهة أخرى وقضى اتفاق داريا بإفراغها من السكان. فتوجه قسم منهم إلى إدلب، وفضل آخرون الإقامة في مراكز مؤقتة في منطقة حرجلة بريف دمشق الغربي تحت رقابة النظام. وباتت المدينة -التي كانت تضم قرابة ربع مليون ساكن- شبه خالية من السكان.
وفي سياق متصل لم يذكر التقرير أن نظام الأسد، وفي تاريخ 2021/12/17، فتح الباب أمام الراغبين من أهالي الحجر الأسود جنوبي دمشق بالعودة إلى منازلهم، لكنه في الوقت ذاته اشترط الحصول على موافقة من محافظة ريف دمشق. ويأتي ذلك بعد منع الأهالي لأعوام من دخول المدينة، إلّا في حالات استثنائية سمح خلالها للبعض بالعودة إلى حيي الثورة وتشرين “لترميم منازلهم”، دون السماح لهم بالاستقرار، في حين لم يسمح لأصحاب المنازل التي تحتاج إلى إعادة إعمار كامل بدخول المدينة، والذين تقدّر نسبتهم بنحو 40 بالمئة من الأهالي. وما يدعو للاستغراب أيضاً أن تقارير مكتب الشؤون الإنسانية جاءت مهولة لأعداد العائدين في المناطق والمدن التي سبق ذكرها دون ذكر مقارنات لهذه الاعداد مع السنوات السابقة ولم تأت على ذكر أعداد النازحين من هذه المناطق ومقارنتها بالسنوات السابقة أيضاً.
فحسب احصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بين عامي (2020 -2021) تراجعت أعداد النازحين العائدين – بحسب احصائيات المفوضية – من 324,301 في عام 2020 الى 82,560 في عام 2021 (حتى الشهر 8 من العام).
وكذلك هناك تراجع بأعداد السكان في محافظة ريف دمشق على وجه الخصوص بين عامي 2020-2021 يصل الى 15521 نسمة، هناك هروب جماعي من المحافظة – حسب ما ذكرته المفوضية. كما ازدادت أعداد النازحين داخلياً في سوريا بين عام 2020 الى 2021 ليصل إلى 213721 نسمة
كذلك التقرير لايفرق بين العودة إلى مناطق النظام والمعارضة وقسد، حيث يتم رصد هروب عوائل بشكل يومي من مناطق النظام إلى مناطق سيطرة قسد ومنها إلى مناطق المعارضة ثم تركيا. فنرى من خلال الاحصائيات السابقة انخفاض في أعداد العائدين وزيادة ملحوظة في أعداد النازحين سواء في النزوح الداخلي أو الخارجي (الهجرة الخارجية) لا يوجد أعداد دقيقة لكن هناك مؤشرات كبيرة لازديادها وبالامكان استحضار حادثة الحدود البيلاروسية مؤخراً وقوارب اللاجئين الى اليونان حالياً.
يؤكد تقرير “تطبيع الرعب” الذي أصدرته الرابطة السورية لكرامة المواطن في عام 2021 والذي شمل أكثر من 500 استطلاع رأي لسوريين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، ومناطق المصالحات أن العودة إلى مناطق سيطرة الأسد في ظلِّ السلْطة الحالية ليست آمنة؛ مع التاكيد على أن العودة أمر ٌ ضروري لمستقبل البلاد ولأي حلٍّ سياسي، وقد أوصى 26% من المستجيبين فقط اللاجئين بالعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، بينما يسعى ما يقرب من نصف المشاركين إلى مغادرة هذه المناطق،
وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن سوريا غير آمنة وأنها لن تسهل عمليات العودة الجماعية في غياب شروط الحماية الأساسية” كما لم يشهد عدد اللاجئين العائدين طوعاً إلى سوريا ارتفاعاً ملحوظاً. أولئك الذين يعودون غالباً ما يتعرضون لضغوط شديدة، مع معلومات محدودة عن الظروف داخل البلاد”
حيث وثّقت منظمة العفو الدولية، في أيلول عام 2021، انتهاكات بحق عدد من اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية، حيث تعرضوا للاعتقال والاختفاء والتعذيب والاغتصاب على أيدي قوات النظام السوري، ما يثبت أنه لا يزال من غير الآمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وانتقد تقرير المنظمة الذي حمل عنوان “أنت ذاهب إلى الموت”، الدنمارك والسويد وتركيا على وجه التحديد، لتقييد الحماية والضغط على اللاجئين من سوريا للعودة إلى ديارهم، وكذلك لبنان والأردن، اللذان لديهما أكبر عدد من اللاجئين السوريين بعد تركيا
ايضاً “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في 20 اكتوبر 2021، قالت إن اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا من لبنان والأردن بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له.
وأكدت المنظمة أن العائدين عانوا للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية في بلد دمره النزاع. وخلص تقرير “حياة أشبه الموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن”، الصادر في 57 صفحة، إلى أن سوريا ليست آمنة للعودة.
من بين 65 من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلتهم المنظمة، وثقت هيومن رايتس ووتش 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعوم.
كما أكد تقرير الرابطة السورية لكرامة المواطن “تطبيع الرعب” أن عدد كبير من السوريين يشعرون بانعدام الأمن، إن شعور المستجيبين بانعدام الأمن تَشكَّل من خلال الأحداث التي شاهدوها أو تعرضوا لها بشكل مباشر، فحوالي (50%) من المشاركين في المناطق التي يسيطر عليها الأسد لا يشعرون بالأمان، بمن فيهم أولئك الذين لم يغادروا أبداً، و(67 %) من العائدين من خارج سوريا لا يشعرون بالأمان، وأولئك الذين يعيشون في مناطق المصالحة هم الأسوأ حالاً، حيث قال (94 %) أنهم لا يشعرون بالأمان، ويشير معظمهم لقبضة السلْطات الأمنية وانعدام الأمن وتفشي الجريمة كأسباب لعدم الشعور بالأمان، حيث لا توجد مناطق آمنة، وتُظهر بعض الإجراءات العملية للسلامة أن الأمن هش ُّ في كل مكان؛ بسبب السياسات الأمنية من قبل السلْطة نفسِها.
ورغم ذلك، تواصل الدول في المنطقة وخارجها تشجيع العودة. ارتكبت الدنمارك سابقة خطيرة من داخل “الاتحاد الأوروبي” بإلغاء “الحماية المؤقتة” للأشخاص القادمين من دمشق وريف دمشق، بحسب المنظمة.
وأشارت إلى أن السلطات اللبنانية اتبعت أجندة عودة عدوانية، بوضع مراسيم وأنظمة تهدف إلى جعل حياة اللاجئين السوريين صعبة، والضغط عليهم للمغادرة. وأجبرت هذه السلطات اللاجئين السوريين على تفكيك مساكنهم الخرسانية، وفرضت حظر التجول وطردتهم من بعض البلديات، وعرقلت تجديد تصاريح الإقامة، ورحّلت آلاف اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة
هنا تبدي الرابطة السورية تعجبها من التناقضات بين تقارير مكاتب الأمم المتحدة فيما بينها البعض وفيما بينها وبين المنظمات الدولية، ونستنكر على الأمم المتحدة اصدار تقارير واتباع سياسات تركيزها الوحيد على تعظيم أعداد العائدين، ونؤكد في الرابطة السورية لكرامة المواطن على أن اي حديث عن عودة طوعية كريمة وآمنة بالشكل الضبابي الذي تروج له الأمم المتحدة؛ هو تضليل للمجتمع الدولي عموما ولنا نحن السوريون بشكل خاص.
تفتقر الأرقام التي قدمها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أي من هذا السياق، وليس من الواضح على الإطلاق ما هي الرسالة التي تحاول الأمم المتحدة إرسالها إلى النازحين السوريين بمثل هذه المعلومات المقتطعة من سياقها والمضللة. بالنظر إلى التهديدات الجسيمة التي يواجهها العائدون إلى مناطق النظام السوري، فإن مثل هذه التقارير غير المسؤولة قد تكون لها عواقب وخيمة على أي لاجئ أو نازح سوري قد يفسرها على أنها تشير إلى أن العودة آمنة، وفي الوقت نفسه يمكن أن تعمل على إضفاء الشرعية على سياسات خطيرة مثل حكومة الدنمارك التي سحبت الحماية عن اللاجئين السوريين من دمشق وريف دمشق. تقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية تجاه حياة ورفاهية النازحين السوريين، وعليها أن تعمل بشكل أفضل في تقاريرها عن الواقع القائم في المناطق التي يسيطر عليها الأسد.