إذا كنت تسير في “ساحة الكشك” الشهيرة في وسط يلدا فسترى الأطلال والطرق المحفورة وأكوام القمامة في كل مكان. كل العلامات التي تدل على العقاب الجماعي من خلال الإهمال الذي يلحقه النظام بالأشخاص الذين يفترض أنهم “تصالحوا” منذ أكثر من خمس سنوات تبدو واضحة للعيان. هذا على الرغم من مقتل أكثر من 200 شخص من هذه المنطقة ممن تصالحوا مع الأسد في معارك شمال سوريا بعد تجنيدهم قسراً في جيش النظام وإجبارهم على قتال أصدقائهم القدامى وأقاربهم.
كان من حق عائلات هؤلاء “الشهداء” من يلدا أن يعاملوا معاملة حسنة من قبل النظام، كما هو الحال بالنسبة للعادات الرسمية والتي تعتبر مركزة في الثقافة السورية. كان من المفترض أن يحصلوا على نفس المزايا والمعاملة مثل عائلات الجنود الآخرين الذين قتلوا في الخدمة في جيش الأسد والتي تشمل الوظائف الحكومية ومدفوعات الدعم. لم يقتصر الأمر على أنهم فقط لم يحصلوا على أي من هذه المزايا، ولكن “الجائزة” الإضافية كانت خدمات عامة في غاية السوء ومصادرة ممتلكات من قبل قوات أمن الأسد وحملات اعتقال.
في منتصف عام 2019 شنت قوات الأسد الأمنية حملة اعتقالات داخل يلدا شارك فيها عشرات الشبان مثل “عبد الرحمن حامد” واثنين من أفراد أسرته المقربين الذين تصالحوا وانضموا إلى الفرقة الرابعة مدرعات، وهي تشكيل نخبوي من جيش الأسد. مع نهاية عام 2019 استمرت الاعتقالات واعتقل “علي أبو صطيف” الذي كان يلعب دوراً كبيراً في اتفاق المصالحة لقرية يلدا، في حين تم في الوقت نفسه مصادرة ممتلكات عدد من عائلات يلدا التي فرت من سوريا والتي شملت 16 منزلاً وعشرات الأراضي.
دخلت قرية يلدا في جنوب دمشق اتفاقية مصالحة مع نظام الأسد عام 2014. وكان الأهالي في هذه القرية يأملون أن يمنحهم هذا الاتفاق بعض الراحة من المعاناة التي لحقت بهم على أيدي الجيش، وأن يتمكنوا من إصلاح منازلهم واستعادة بعض الشعور بالحياة الطبيعية.
ما حصلوا عليه بدلاً من ذلك هو التجنيد الإجباري لشبابهم، وحملات الاعتقالات من قبل قوات الأمن السورية، ومصادرة الممتلكات وإهمال الخدمات الأساسية كعقاب على دعم مظاهرات عام 2011.
وقُتل أكثر من 200 شخص من هذه المنطقة ممن تصالحوا مع الأسد في معارك شمال سوريا بعد تجنيدهم قسراً في جيش النظام، وبعد أن أجبروا على قتال أصدقائهم وأقاربهم القدامى.
على الرغم من عمليات القتل والاعتقالات والتهميش التي اتسمت بها عام 2019، دخل أهالي يلدا العام الجديد على أمل أن تتحسن الأمور وكأنها لم تكن.
في الأسبوع الأخير من عام 2019 هاجمت قوات الأمن التابعة للأسد مدرسة الجرمق (التي تديرها وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين الذين فروا من مخيم اليرموك ولم يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم) واعتقلت أكثر من 20 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 عاماً.
تم أخذهم مباشرة من فصولهم الدراسية، مع اعتقال آخرين فيما بعد حيث بلغ مجموعهم أكثر من 50 طفلاً. السبب الرئيسي لاعتقالهم هو أن صورة الأسد كانت ممزقة عندما كانوا يلعبون في المدرسة.
وقام أهالي الأطفال وأعضاء لجنة المصالحة بقرية يلدا بزيارة مقر التحقيق حيث يحتجز أطفالهم، لكنهم لم يتمكنوا من رؤيتهم. رُفضت طلباتهم بالإفراج عن الأطفال وقيل لهم إن أطفالهم مرتبطون بـ “داعش” عندما كان بعضهم في مخيم اليرموك.
وقد قال أحمد حمزة (42 عاما) وهو أحد أقارب أحد الأطفال المعتقلين لأنهم مجرد أطفال، وليس لديهم أي فكرة أو وعي بما هو ممنوع “.
وقالت والدة أحد الأطفال المعتقلين من مخيم اليرموك والتي تعيش الآن في يلدا: “نحن هنا على بعد أمتار قليلة من منازلنا التي لا يسمح لنا بالعودة إليها لأن الحكومة تريد بناء أبنية فخمة جديدة مكان منازلهم”. اختفى زوجي والآن، بالإضافة لفقرنا وشتاءنا البارد، وها هو قد تم القبض على ابني ولا أعرف عنه شيئاً”.
وقال فادي نزهت، وهو أحد أمناء الرابطة السورية لكرامة المواطن، من ريف دمشق: “الوضع بالنسبة لسكان يلدا سيء للغاية من عدة جوانب. فنظام الأسد يريد تنفيذ إعادة إعمار مخيم اليرموك وفق القانون رقم 10، والذي سيترك آلاف الأشخاص بلا منازل. بالإضافة إلى ذلك فإن عائلات يلدا وآلاف النازحين من مخيم اليرموك ومناطق أخرى يعاقبون بشكل جماعي بالتجنيد الإجباري لشبابهم والخدمات السيئة وشبه المعدومة لدعمهم للمظاهرات ضد النظام. والآن نرى أبشع أشكال هذا العقاب الجماعي: حملة اعتقالات لأطفالهم”.
بينما يغض العالم بصره، تستمر ممارسات النظام الإجرامية والمذكورة بالتفصيل في تقاريرنا حول مصير العائدين من “مناطق المصالحة” بجرأة متزايدة. فالآن انتقلت الملاحقة للأطفال.