في توجه مقلق، قام النظام السوري وحلفاؤه مؤخراً بحرق أراضٍ زراعية تعود للنازحين واللاجئين السوريين بقصد واضح وهو تقوية نزوحهم من خلال جعل الأمر من المستحيل عليهم العودة وحصاد الحقول والبساتين المستهدفة بالحرائق. تتجلى الطبيعة الممنهجة للاستهداف في حقيقة أن مثل هذه الحرائق اندلعت في مناطق ومحافظات مختلفة خاضعة لسيطرة النظام. يقدم هذا المقال نظرة فاحصة لمثل هذه الحوادث في مناطق تدمر وحرستا والقصير.

– ويتعلق الحادث الأخير بالحرائق المتعمدة التي اندلعت في واحات تدمر التاريخية وفي المنازل وذلك في المناطق المحيطة بالمدينة. تسببت هذه الحرائق في حرق الأراضي الزراعية في المنطقة القريبة من فندق ميريديان، في محيط معبد الآثار. وأكدت مصادر الرابطة السورية لكرامة المواطن في المنطقة أن النيران اندلعت في المنطقة منذ ساعات، فيما لا يبذل النظام السوري جهداً ملحوظاً للسيطرة على الحريق.

وبحسب شهود عيان، فإن التقاعس المتعمد عن التعامل مع هذه الحرائق قد يكون مدفوعاً بالرغبة في التستر على عمليات تهريب الآثار التي يقوم بها النظام بالتواطؤ مع الميليشيات الإيرانية. تعد مدينة تدمر واحة تزين الصحراء السورية وتقع شمال شرق العاصمة دمشق. وتعد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو وتضم آثاراً رومانية تشهد على مدينة عظيمة كانت ذات يوم واحدة من أهم المراكز الثقافية في العالم القديم.

أفادت مصادرنا عن رؤية معدات حفر وشاحنات تنتقل إلى المنطقة مباشرة قبل اندلاع الحرائق. وهذا التهجير للسكان المحليين يعتبر في الوقت ذاته أداة ونتيجة طويلة الأمد لهذا النهج الإجرامي.

وقالت مصادر مطلعة على الأرض للرابطة السورية لكرامة المواطن إن المليشيات المسيطرة على المنطقة تقوم منذ أكثر من عامين بالتنقيب عن الآثار في نفس المنطقة التي وقعت فيها الحرائق. وقد تم إغلاق المنطقة التي تجري فيها أعمال الحفر “لأسباب أمنية” لمنع المدنيين من الوصول إليها، مع تكرار حرق الأراضي الزراعية لتطهير الأراضي لعمليات الحفر.

يعتبر التنقيب عن الآثار وتهريبها من تدمر مورداً اقتصادياً هاماً يستخدمه النظام والميليشيات الإيرانية لتمويل الحرب في سوريا. وقد وثقت هذه الممارسة صحيفة القدس العربي التي أفادت بأن “الميليشيات الإيرانية بقيادة مليشيات النجباء والفاطميون بدأت حملة جديدة للتنقيب عن الآثار في مدينة تدمر الأثرية وصحرائها الشرقية تمتد باتجاه دير الزور حيث رصدت آليات الحفر التي استقدمتها المليشيات خلال الأشهر الثلاثة الماضية”. المنطقة التي بدأت فيها هذه الحفريات تم حظرها عن السكان الذين يعيشون فيها، كما أن هناك نية لتغيير مسار الطريق السريع دير الزور – دمشق الذي يمر بالقرب من تدمر.

أبلغنا مؤخراً عن قيام النظام بهدم ممتلكات خاصة في منطقة حرستا بالغوطة الشرقية. وفي أعقاب ذلك، أفادت المصادر المحلية عن اندلاع حرائق واسعة النطاق في نفس المنطقة ما أدى إلى حرق أراض زراعية مطلة على طريق دمشق – حمص الدولي السريع خلال شهر أيار.

وبحسب هذه المعلومات فإن عناصر قوات النظام المتواجدين في المنطقة تعمدوا إضرام النار في الأراضي المحيطة بمنطقة البانوراما في مدينة حرستا على جانبي الطريق الدولي من جهة القابون، وكذلك في الأراضي الزراعية الفاصلة بين الطرفين. ضاحية الأسد ومزارع حرستا وبرزة.

تسببت الحرائق الأخيرة في أضرار جسيمة للمحاصيل والأشجار في تلك الأراضي، خاصة في البساتين الممتدة بين حرستا وعربين من ناحية المحافظة.

هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الحرائق لتدمير الأراضي الزراعية في هذه المنطقة. حيث شهدت بساتين الغوطة الشرقية المطلة على طريق دمشق – حمص الدولي حرائق كبيرة خلال شهر أيار 2019 حيث احترقت آلاف أشجار الزيتون التي يعود تاريخها إلى مئات السنين في بساتين منطقة كرم الراس التي تفصل بين مدينتي دوما وحرستا، وحرستا والمنطقة الغربية من الطريق السريع في حرستا. أشار أحد المهندسين العاملين في محافظة ريف دمشق إلى أن الحرائق تهدف إلى إفراغ المناطق الزراعية وإجبار السكان على بيع أو قبول مصادرة النظام، وذلك ضمن خطة لإدراجه في “إعادة التنظيم” التي تغطي المدخل الشمالي للعاصمة.

وأخيراً وفي مطلع نيسان 2020 اندلع حريق كبير في بعض البساتين بقرى القصير بمحافظة حمص على الحدود مع لبنان. المنطقة تحت سيطرة حزب الله، وتشير المعلومات الميدانية الواردة من المنطقة إلى أن الحرائق قد تم التحريض عليها لتطهير الأرض التي تخطط الميليشيا لاستخدامها لتوسيع عملية زراعة القنب في المنطقة.

المنطقة ذات أهمية لحزب الله حيث يوجد بها عدد من المعابر على طول الحدود بين لبنان وسوريا من جهة القصير، والتي تستخدم لنقل الغنائم من سوريا لتباع بعد ذلك في سهل البقاع الأوسط وضاحية بيروت الجنوبية. كما يستخدم حزب الله منطقة القصير كمعسكر تدريب للمجندين الجدد المنتشرين في العمليات في ريف حلب ودرعا.

مع تزايد الضغط على حزب الله في لبنان نتيجة انهيار الاقتصاد اللبناني تزداد أهمية القصير بمسطحاتها الخضراء الشاسعة للميليشيا كمصدر للدخل والموارد. ولهذا السبب يظل ريف حمص الجنوبي خالياً من السكان رغم محاولات عدة لعودة بعض النازحين لمناطق سيطرة النظام، مثل مدينة حمص أو مدينة دمشق.

تهدف الممارسات المذكورة أعلاه لحرق الأراضي الزراعية في تدمر وحرستا والقصير بوضوح إلى ترسيخ تهجير السكان المحليين من خلال حرمانهم من مصدر رزقهم وجعل عودتهم أكثر صعوبة. يتفاقم ويتعقد النزوح الأولي المتأثر بالعنف الوحشي والدمار بهدف جعله دائماً ونهائياً، من خلال تدمير الأراضي والواحات التي يتم تسويتها بعد ذلك من قبل أفراد عائلات الميليشيات الذين يعيشون على الاتجار مثل (تدمر)، ويتم استغلالها لزراعة المخدرات مثل (القصير)، أو “إعادة التنظيم” مثل (حرستا).

يكشف نمط هذه الإجراءات عن استهداف ممنهج للنازحين واللاجئين السوريين، وهو أحد الأسباب الرئيسية لفرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مسؤولي النظام والأفراد والكيانات المتورطة في مثل هذا السلوك الإجرامي. إن عكس هذه الإجراءات وإعادة الممتلكات والأراضي إلى أصحابها الشرعيين إضافة للعودة الآمنة والطوعية للنازحين الذين عاشوا على محاصيل الأراضي التي دمرها الحرق المتعمد ستكون بلا شك من بين الشروط المسبقة الأساسية لرفع العقوبات وإمكانية حل سياسي يضمن حقوق كل السوريين.