اسطنبول، بيروت، إدلب، 15 آذار 2022بعد أكثر من عقد على انطلاق المظاهرات السلمية في سوريا مطالبة بالحرية والكرامة والتي تطورت إلى المطالبة بإسقاط النظام، ما زال كفاح السوريين مستمراً رغم تعرضهم للقمع والقتل والتعذيب، وجرائم الحرب التي أدت إلى مقتل حوالي نصف مليون سوري على الأقل حولت أكثر من نصف الشعب السوري إلى مهجر.

اليوم، المهجرون السوريون داخل وخارج سوريا مازالوا مصرين أكثر من أي وقت آخر على الاستمرار في كفاحهم النبيل والبطولي هذا، والتمسك بحقهم بعودة آمنة وطوعية وكريمة لأوطانهم الأصلية وهم على قناعة أكبر من أي وقت مضى بضرورة وجود تيار شعبي يتبنى مطالب 13 مليون سوري/ة مهجر/ة ويعمل بحرفية وفعالية لإسماع صوتهم وتطلعاتهم للعالم، وللتأثير في السياسيات الإقليمية والسياسية لضمان مصالحهم والوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام يحقق البيئة الآمنة لعودتهم إلى أوطانهم الأصلية ويحقق التغييرات الجذرية التي يتطلع لها السوريون في سوريا.

رغم أن معاناة السوريين كانت واضحة  للعالم أجمع على مدى أكثر من عشر سنوات والأكثر توثيقا في التاريخ الإنساني، ورغم أن جرائم النظام السوري وجرائم حليفه الروسي كانت معروفة ومكشوفة للجميع ورغم الدور الفاقع لإيران في التغيير الديموغرافي، إلا أن غزو أوكرانيا كشف من جديد وذكر الجميع، بما لا يترك أي مجال للشك، بمستوى الإجرام الذي تعرض له السوريين وما زالوا يتعرضون له من قبل النظام الروسي، وأننا كسوريين نملك الحق الكامل ليس فقط بالكفاح ضد الغزو الروسي وقمع النظام السوري، بل بالنضال من أجل حياة كريمة في بلدنا دون أن نتنازل عن أي حق، فنحن لسنا أقل من غيرنا ومن حقنا أن نطمح لأفضل حياة ممكنة.

إن مأساة أوكرانيا الحالية ولدت في سوريا، عندما سُمح للنظام الروسي بارتكاب جرائم حرب وتهجير السوريين دون أي عقاب أو محاسبة، وعندما لم يتم البحث لاحقا عن حلول جذرية للقضية السورية وعلى رأسها قضية المهجرين. يكتشف العالم اليوم ذلك من جديد بعد أن نادى به الشعب السوري لسنوات طويلة. لذلك نؤكد من جديد على أن الحل الوحيد لمأساة المهجرين السوريين وانعكاساتها الخطيرة على الإقليم والعالم هو إيجاد بيئة آمنة في سوريا، وأن تكون هذه البيئة الآمنة بكل التغييرات الجذرية اللازمة لتحقيقها هي حجر الأساس للحل السياسي في سوريا.

إن التطبيع مع النظام السوري ومحاولة فرض هذا الأمر كأمر واقع على السوريين هو جريمة بحد ذاته، ولكن آثاره المتوسطة وبعيدة المدى ستكون كارثية على دول الجوار وأوروبا كما وضحت الرابطة في مؤتمر أنقرة ومؤتمر كوبنهاغن في الأسابيع الأخيرة. التطبيع خطأ قاتل وضرورة وهمية قائمة على تصور خاطئ للواقع في سوريا وفهم قاصر لنتائج هذا الأمر على الشعب السوري وأصحاب المصالح في سوريا.

في ذكرى انطلاقة المظاهرات السلمية والكفاح المدني في سوريا، يطالب المهجرون السوريون المجتمع الدولي أن يمنحهم نفس ما منحوه للشعب الأوكراني: الدعم والمعاملة الإنسانية، ويطالبون المجتمع الدولي ألا يفرض على السوريين ما لم يفرضه على الشعب الأوكراني المظلوم: التطبيع مع المستبدين والقبول بالمحتل والعودة القسرية، فنحن لا نتخيل يوما أن تطلب الدول والمنظمات الأممية من اللاجئين الأوكرانيين العودة إلى أوكرانيا قبل تحقيق بيئة آمنة لكل الأوكرانيين.

في هذه الذكرى العظيمة لأعظم كفاح من أجل الحرية والكرامة في التاريخ المعاصر تؤكد الرابطة من جديد على ضرورة التفاف السوريين حول تيار شعبي حقوقي يؤثر في الحل السياسي ويحمل صوت ومطالب وتطلعات السوريين إلى مراكز صناعة القرار بشكل حرفي ومؤثر وهو ما عملت الرابطة عليه في السنوات الأخيرة، وأننا كسوريين لسنا خارج المعادلة إلا إذا رضينا، وأن حقنا في العودة الآمنة والطوعية والكريمة لبلدنا لن يضمنه ولن يحققه سوى كفاحنا وتكاتفنا. ولقد لمسنا بأيدينا وشاهدنا بأعيننا كيف أن المناصرة السياسية الحرفية المدعومة بمطالب شعبية حقيقية وكتلة اجتماعية صلبة آتت أكلها في التأثير على سياسات محددة، وهدفنا هو تحقيق المزيد من هذا التأثير وعلى نطاق أعلى وأشمل.

تحية لصمود وكفاح الشعب الأوكراني لأننا كسوريين أقدر الشعوب على فهم مشاعرهم والإحساس بمصيبتهم، وتحية لكل السوريين الذين لن يتمكن التاريخ من إنصاف كفاحهم مهما كتبت الأقلام في صفحاته، فاليوم على الجميع أن يدرك سوريين أو غير سوريين أن ما قمنا به كان حقا معجزة، وأننا ما زلنا سائرين على هذا الطريق.