صهيب البوشي، نادر أبوصالح.

درعا: غياب الاستقرار في ظلّ اتفاق شكلي

عقد وجهاء محليون من أبناء المنطقة الجنوبية لسورية اتفاق مصالحة بين الفصائل الموجودة في تلك المنطقة والنظام السوري بوصاية روسية في عام 2018. قضى ذلك الاتفاق باحتفاظ مسلحي المعارضة بأسلحتهم الخفيفة مقابل عودة السّيطرة على تلك المنطقة للنّظام، وأيضاً عدم محاسبة من قام بأعمال معارضة للنظام السوري وخروج من يرفض ذلك الاتفاق إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشّمال السّوري مع عائلاتهم[1]

ولكن النّظام كعادته بعدم احترام الاتفاقات التي يعقدها والقوانين التي يصدرها، بدأ بسلسة من الخروق لما تمَّ التَّعهُّد به وتمثَّلت تلك الخروق بمحاولة استعادة السَّيطرة بشكل كامل على منطقة الصنمين. ففي أوائل آذار 2020، شنّ النِّظام عمليَّةً عسكريَّة كبيرة لفرض سلطته على أجزاء من مدينة الصَّنمين والتي كانت لاتزال تحت سيطرة المقاتلين والمعارضين من الأهالي المحلِّيين الذين كانوا قد عقدوا اتفاقاً مع النظام يقضي برفع علم النظام ودخول عناصر الشرطة مقابل عودة بعض الخِدْمات للمدينة من كهرباء وتشغيل أفران الخبز. كان هذا الهجوم بمثابة رسالة مفادها أن النظام السوري لن يقبل ببقاء مناطق خارج سيطرته , و بدأ الهجوم على مدينة الصنمين بقصد استعادة السيطرة عليها بالكامل وإخراج من تبقى من المقاتلين المحليين ،أثارت  هذه العملية ردود فعل في طول محافظة درعا ، واستنفرت الناس ضد إجراءات النظام فانطلقت العديد من المظاهرات الرافضة لنقض الاتفاق ولعودة سيطرة النِّظام الأمنيَّة والعسكريَّة لمدينة الصنمين ،ولكن النِّظام استمرّ بمحولاته  اقتحام المدينة فاشتبك معه الثُّوار وقتلوا عدداً من أفراد الجيش، لابل أخذوا أسرى أيضا[2],و لم تنته عملية الصنمين إلا بحل تفاوضيٍّ بوساطة أحمد العودة مع بعض الوجهاء المحلِّيين ، اتُفق بموجبه على انتقال الثُّوار الرافضين للعيش تحت سطوة النظام إلى مناطق أخرى تسيطر عليها قوات المعارضة في الشمال السوري وتلا ذلك استعادة النظام سيطرته التَّامَّة على مدينة الصنمين.

و كان الانطباع السائد عقب أحداث الصنمين أن احتمال نشوب حرب بين المقاتلين المحليين المحسوبين على المعارضة و قوات النظام  في أي لحظة,  و هكذا أصبحت  المنطقة الجنوبية من سوريا -وخاصة محافظة درعا – على صفيح ساخن، خصوصاً بعد اعتماد النظام لسياسة اغتيال أفراد المعارضة المعروفين برفضهم لتلك المصالحات التي لم يحترمها النظام ولا ضامنو الاتفاق ،بالإضافة إلى عدم إيفاء الروس او النظام بوعودهم بخصوص الإفراج عن المعتقلين، و إعادة الموظفين المفصولين من الخدمة بسبب معارضتهم لنظام الأسد، وعدم انتظام الخدمات في تلك المناطق،  مما دفع الثوار للقيام بعمليات اغتيال مضادة ومهاجمة بعض نقاط التفتيش رداً على عمليات اغتيال قيادتهم. لقد أدّت هذه الظروف لاستمرار موجات النزوح الصامت من محافظة درعا إلى الشمال السوري، خصوصا وقد ترافقت مع استمرار عمليات الاعتقال للكثير من الأفراد الذين عقدوا اتفاقات تسوية مع النظام وملاحقة عدد كبير من أبناء المنطقة الجنوبيَّة وتجنيدهم اجباريِّاً بهدف زجِّهم في جبهات القتال ضد المعارضة السورية في الشمال السوريِّ في انتهاك آخر لاتفاقيَّات التسوية.

ولايزال نظام الأسد غير راضٍ عن الوضع في الجنوب السوري، فالدولة كما يقول أحد مسؤولي النظام: “لا تقبل بقاء مناطق خارج سيطرتها ليستغّلها الإرهابيون”[3]. وهو الوصف الذي يطلقه النظام على كلّ معارضيه، إذ يراقب خلال الأشهر الماضية استمرار خروج  المظاهرات في عدة مناطق من ريف درعا الغربي في بلدات العجمي وتل شهاب واليادودة والمزيريب و زيزون وبلدة طفس، و هي تهتف ضد وجود الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» ومحاولاتها التمدُّد في المنطقة الجنوبية، و مع استمرار المطالبات بالإفراج عن المعتقلين و رفع شعارات مناهضة للنظام السوري، ولافتات تطالب بخروج ميليشيات إيران و«حزب الله» من المحافظة, كما انتشرت شعارات وعبارات في عدة مدن وبلدات في مناطق خاضعة لاتِّفاق التسوية تذكِّر بشعارات الثورة السوريَّة وأخرى مناهضة للنظام، فعلى سبيل المثال شهدت محافظة درعا بين تشرين الثاني 2019 وكانون الثاني 2020، 11 تظاهرة على الأقل، و15 اعتصاماً، و15 حالة كتابة شعارات مناوئة للنظام[4]. وقد علّق أحد السكان المحلِّيين من ريف درعا الغربي قائلاً :”إن مثل هذه المظاهرات تمثل رسالة لأطراف التفاوض، ولا سيما الجانب الروسي بضرورة الالتزام بالتعهدات التي قدمت لأهالي المناطق الجنوبية  بالحفاظ على استقرار المناطق وإنهاء التوتر الأمني ومنع تجاوزات قوات النظام السوري”[5].

وقد حذَّرت الرَّابطة السوريَّة لكرامة المواطن سابقا من خطورة الوضع في درعا وعدم استقرار المنطقة الجنوبية فنموذج ’ المصالحة ‘الذي تم تطبيقه في الجنوب السوري بضمانات روسية فشل في تحقيق (أدنى) مستوى مقبول من الاستقرار أو تأمين الحدِّ الأدنى من الخدمات العامة اللازمة للعيش. وبدلاً من ذلك، أدت سياسة الروس والنظام إلى تصعيد عسكري جديد بالمنطقة تميز بالتصفية والاغتيالات المتبادلة والصراعات بشكل شبه يومي , كما أن سياسة التهديد والقصف أفضت إلى إجبار الأهالي و جماعات المعارضة المسلحة على توقيع اتفاقيات مصالحة في درعا حققت في البداية هدوءًا نسبيّاً  ساهم بعودة عددٍ من أهالي المنطقة، ولكن أسلوب العقاب الجماعي الذي اتَّبعه نظام الأسد عن طريق حرمان الأهالي من الخدمات الرئيسية فاقم من صعوبة وضع أهالي درعا وساهم بمزيد من الفقر و العوز، كما أن محاولات النظام المستمرة لاستغلال اتِّفاق المصالحة للتغلغل داخل القرى و اعتقال المزيد من الشباب لزجهم في الصفوف الأمامية للقتال ضمن جيشه، ومحاولة تصفية خصومه السابقين، وكذلك وضع عدد من هؤلاء في السجون و تصفيتهم بطرق وحشية، كل ذلك نسف المزايا التي تأمّل الأهالي بتحققها بعد الاتفاق و أفضى بالنتيجة إلى نزوح صامت مستمرّ لعددٍ كبير من السكان[6]

طفس والتهديدات الروسية:

خلال الشهر الأوَّل من هذا العام وفي أحدث تطورات محافظة درعا سعى النظام لفرض سيطرته العسكرية والأمنية الكاملة على مدينة طفس استكمالا لسياسته التي طالما عبَّر  عنها مسؤوليه و كما حدث العام السابق في الصنمين، فقد قامت قوات من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد بتطويق المدينة وهددت باقتحامها بحجة وجود عدد من الأشخاص الرافضين لاتفاقية التسوية وللمطالبة بترحيلهم إلى مناطق سيطرة الثوار في الشمال السوري ، وجرت مفاوضات بين الروس و النظام السوري من جهة و اللجنة المركزية للمصالحة في درعا من جهة أخرى في شهر كانون الثاني 2021،و بحسب مصدر خاص بالرابطة السورية لكرامة المواطن فإن “أجواء الاجتماع كنت مليئة بالتهديد و الوعيد من قبل الروس و هو الأمر اللافت للنظر فبعد أن كان الروس هم الضامنين لاتِّفاقية المصالحة أصبحوا طرفاً في التهديد و الوعيد بحال لم يتم تنفيذ مطالب النّظام. وكان أن سلّم النظام اللجنة المركزية مطالب جديدة مدّعياً أن منطقة طفس مليئة بعناصر داعش و حرّاس الدين، كما هدَّد الروس في الاجتماع باستخدام الطيران و قصف المدينة من أجل القضاء على الإرهابيين الموجودين –حسب وصفهم-  في حال عدم رضوخ الأهالي و اللجنة لمطالبهم, و التي تتضّمن  تهجير المطلوبين مع عائلاتهم إلى الشمال السوريّ مع زيادة أعداد عناصر الفرقة الرابعة المنتشرة في ريف درعا الغربي, و تسليم السلاح المتوسط الموجود في يد أهالي درعا للروس, و قد تحدث اللواء علي محمود أحد معاوني ماهر الأسد مع اللجان المركزية قائلا ” أحضرنا عناصر مختصين و سيارات لتعفيش بلدة طفس”. وادَّعى اللواء أن النظام سيفتتح مركز للسجل المدني ويعيد افتتاح المخفر وإخضاع المشفى الوطني لوزارة الصحة”. وقد صرّح الصحفي جواد العبد الله من طفس لـ “المونيتور”: “إنّ الذين اشتبكوا مع قوات النظام هم ثوار سابقين من عدة فصائل كانت نشطة في درعا قبل اتفاق التسوية عام 2018. و لا يزال النظام يهدّد بشن حرب شرسة، كما ألمح الجانب الروسي إلى احتمال اللجوء إلى سلاح الجو الروسي في حال عدم الرضوخ. إنّ هذا تحول كبير في الموقف الروسي، الذي كان راعياً لاتفاقية التسوية في 2018. “[7]

وقد سبق هذا الاجتماع بأسبوعين تقريبا عقد الروس اجتماعاً مع لجنة درعا المركزية و وجهاء أهالي درعا في الملعب البلدي و حضره لأول مرة ضابط روسي برتبة “عماد” و كان هدف الاجتماع هو تهدئة الأجواء المشحونة في المدينة و تقديم وعود للإفراج عن المعتقلين من أجل تهدئة المدينة قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها في نيسان القادم و لمنع خروج مظاهرات أو حدوث أي توترات , و قد ذكر الضابط الروسي ذلك بشكل صريح و واضح  “هدفهم الآن أن تسير عملية إعادة انتخاب بشار الأسد بكل هدوء دون مشاكل او اضطرابات”, و قد تفاجأ أعضاء اللجنة المركزية بوقاحة الروس و ردُّوا عليهم عن أي انتخابات تتحدَّثون ومازالت سوريا غير آمنة و لم يحل ملف المعتقلين و مازال النظام السوري يمارس العنف و الاعتقال التعسفي  ضد السوريين!. [8]

الأرض مقابل الهروب والحياة (النزوح الصامت):

يقول السيد أ.أ و هو احد الشباب الفارين من محافظة درعا الذين  استطاعوا الوصول الى مناطق سيطرة المعارضة” إنّ الأوضاع المادية سيئة للغاية، وإنّ النظام غير قادر على إدارة المناطق التي سيطر عليها  بموجب اتفاقيات المصالحة ،و  عدم رغبته لتقديم اي خدمات ، و في حال احتاجت منطقة ما لأمر أو خدمة  يتمُّ تمويلها عن طريق تبرع الأهالي الذين هم بالأساس في وضع مادي سيِّءٍ جدَّاً ,فالنظام لا يهمُّه سوى نشر عناصر الأمن و الجيش لتثبيت سيطرته و اعتقال الشباب الذين كانوا منخرطين سابقا في صفوف المعارضة ,  أما الوضع الأمني فهو متدهور بشكل كبير و عمليات القتل و التصفية الممنهجة ضد القادة الثوريين  الرافضين لاتفاقيَّات التَّسوية و كلّ من كان له نشاط عسكري او مدني ضد النظام السوري ,  مما دفع كثيراً من الشباب للهروب والنزوح إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال ، فكل من يملك تكلفة الطريق والتهريب لن يتوانى لحظة عن الهروب فكلُّ شابٍّ في درعا الآن  يخطِّط للهروب لمناطق سيطرة المعارضة او حتى لأوروبا  واضطر الكثير من الأهالي لبيع أراضيهم من اجل تأمين كلفة  تهريب أبنائهم”.

و يتابع أ.أ قائلاً: “في الرحلة التي كنت فيها كنا قرابة 100 شخص نسير بين الألغام و في الجبال لنصل الى مناطق المعارضة , وهو طريق خطر جدا ، و خطر الاعتقال او الخطْف او القتل  كبير جداً ،و لكنَّ تحمُّل هذه المخاطر أهون بكثير من البقاء في مناطق المصالحة او تحت سيطرة الأسد , أما بخصوص المهرِّبين فمعظمهم من عناصر المخابرات التابعين للأسد , وقد شكل هؤلاء العناصر شبكات تهريب خاصة بهم تقوم بإيصال الفارِّين من سلطة النظام  إلى مناطق المعارضة مقابل مبالغ نقدية كبيرة”.

و لم يعد خافيا هروب قادات المعارضة السابقين في درعا و الذين وافقوا على إجراء التسوية الى مناطق سيطرة المعارضة بعد عمليات التصفية الممنهجة التي اتبعها النظام السوري للتَّخلُّص منهم و آخر القادة كان رمزي محمود أبا زيد الذي قتل بعد أن وقع بحقل ألغام شمال حلب و هو يحاول الفرار من مناطق سيطرة النظام الى مناطق المعارضة مع 100 اخرين انتهى بهم المطاف بين معتقل او قتيل او هارب من قبضة النظام السوري او مجهول المصير[9] .

البيئة الآمنة وفق المفهوم الروسي:

رغم الفشل المريع الذي رافق اتفاقيات المصالحة التي قامت بها روسيا و النظام السوري و رغم كل الأحداث خلال العامين السابقين في درعا و هجرة الناس من هذه المناطق مازال الروس و النظام السوري يرسمون للسوريين الحلم الوردي ،أن الخلاص هو باتفاقيات المصالحة ،و مازالت آلة الكذب الإعلامي تعمل لتصوير المصالحات بأنها نجاحٌ باهرٌ لسياسية روسيا في سوريا , و آخر تلك المحاولات هي مؤتمر اللاجئين الذي عقد في دمشق في 11 تشرين الثاني 2020 والذي لم يحضره إلا قلة من الدول “”  روسيا وايران والعراق ولبنان والصين ” بينما قاطعه دول الإتحاد الأوروبي و بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الفاعلة على الساحة الدولية , و  و قد صرح جوزيب بوريل وزير خارجية التكتل الأوروبي (على )أن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”[10] .

لم يلق المؤتمر أي اهتمامٍ أو صدىً ذا قيمةً لأن من نظّم المؤتمر هو المسبب الرئيسي لتهجير أكثر من نصف الشعب السوري و اعتقال مئات الألاف و تدمير البنية التحتية لسوريا, كما أنّ  الفشل الذريع لاتفاقيَّات المصالحة التي رعتها روسية في مختلف المناطق السوريَّة وآخرها محافظة درعا أدّى إلى غياب الثقة لما حاول الروس الترويج له في المؤتمر بأن الوضع في سورية قد تحسن لدرجة يمكن اعتبار أن البيئة الآمنة قد تحققت وأن الوقت قد حان لعودة اللاجئين وللبدء بعمليَّة إعادة الإعمار ، كل ذلك يوضح لنا مفهوم البيئة الآمنة من وجهة نظر الحكومة الروسية ، فهي لا تعدو كونها استعادة النظام المجرم للسيطرة على سورية مرة أخرى بأي وسيلة ممكنة.

وقد تجلَّى ذلك بأوضح صورة في الاجتماع بين الجنة المركزية في طفس مع ممثلي النظام السوري والذي رعاه الضباط الروس والتي هدَّدَ فيها ممثِّلو النظام بقصف المدينة وتشريد أهلها وتهديد الأهالي بأنهم جاهزون لنهب المدينة كما نهبت سواها من المدن وكل ذلك بحضور الضباط الروس راعي اتفاقات المصالحة!

كما يشير لذلك سعي الروس لتهيئة الأجواء في عموم المناطق التي يسيطر عليها النظام وفي المنطقة الجنوبية خصوصاً لعملية إعادة انتخاب لرأس النظام تحت الترهيب والترغيب، وقد تحدَّث بذلك المندوب الروسي صراحة مع أعضاء اللجنة المركزية وأنهم لا يريدون أي أعمال توحي بعدم الاستقرار في الفترة التي تسبق عملية الانتخابات المزعومة.

الوضع الحقيقي في درعا وفشل المقاربة الروسية:

كان من المفترض أن تسهم اتفاقيَّات التَّسوية في تحقيق بيئة آمنة تساعد على عودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم وتحسن دورة الاقتصاد، بسبب توقف العمليات العسكرية وتوقف عمليات الاعتقال والتصفية الجسدية.

ولكن الواقع السائد في جميع المناطق التي استعاد النظام سيطرته العسكرية عليها تدحض تلك الافتراضات، وبالعودة إلى إحصاءات أعدَّها مكتب توثيق الشهداء في درعا نجد: أنه بين عامي 2019 و2020 قام النظام بقتل 483 شخص، منهم 111 شخصاً من مقاتلي المعارضة وهم من الأشخاص الذين وقعوا اتفاقات تسوية مع النظام برعاية القوات الروسية، كما وثَّق اعتقال قوات النظام ل 1142 مواطناً، منهم 30 امرأة و9 أطفال و500 من المقاتلين الذين وقعوا تسويات مع النظام، كما قامت قوات النظام باغتيال 42 شخصاً من قيادات الفصائل التي انضمت لاتفاقيات التسوية وتمت عمليات الاغتيال إما بإطلاق النار بشكل مباشر أو بواسطة تفجير عبوات ناسفة أو الإعدام الميداني بعد الخطف ، ووثق أيضاً ل34 محاولة اغتيال أخرى[11].

تلك التصرفات والتي تعبر عن سياسة ممنهجة يقوم بها النظام والمليشيات الإيرانية الداعمة له وحزب الله اللبناني، تساهم في شيوع حالة عدم الاستقرار والتي تدفع السكان أبناء تلك المدن والقرى من الشباب على وجه الخصوص إلى الهجرة والنزوح، الأمر الذي سيترك آثاراً سلبيَّةً اجتماعيَّةً و اقتصاديّةً كبيرة الأثر ..

كما أنَّ التوترات المناطقية بين أهالي محافظة درعا و أهالي محافظة السويداء عادت لتطفوا على السطح مرة أخرى, بعد الاشتباكات التي حصلت بين الفيلق الخامس في محافظة درعا ( المدعوم من روسيا) و بين قوات الدفاع المدني (الشبيحة) الموجودين في محافظة السويداء , و قد اتَّهم قائد الفيلق الخامس أحمد العودة حزب الله و إيران و النظام السوري بإشعال الفتنة بين أبناء المنطقة من أجل أن يقتتلوا و لتعود السيطرة للفصائل الإيرانية و حزب الله على المنطقة[12] بعد أن قامت بتسليحهم و دعمهم عسكريا من قوات حزب الله[13] , فلم تمنع اتفاقيَّات المصالحة التي روَّج لها الروس من تدخُّل حزب الله و الإيرانيين في المنطقة و تسليح طرف على طرف اخر من أجل الاقتتال بين أفراد الشعب السوري , و لم تحمي الأفراد المنضوين تحت اتفاقيَّة المصالحة من الاستهداف او القتل.

إنَّ هذا الوضع المتردِّي أمنيَّاً هو الوضع الذي تروِّج له روسيا ليكون بيئة آمنة يعيش في ظلِّها السوريون , الوضع الذي مازال السوريون يعانون فيه من القتل والخطف و الاعتقال و التشريد و الهرب من الموت هو الوضع الذي تراه روسيا أنَّه الوضع الأمثل للسوريين ,  و ما تعيشه درعا الآن ما هو الا صورة مصغرة الى ما سيؤول اليه الوضع في حال أصبحت سوريَّا كاملةً تحت سلطة الروس و النظام السوريِّ لأيِّ سبب كان , ففي حال عاد 13 مليون نازح و لاجئ للعيش تحت سلطة الأسد ستكون أعداد القتلى و المعتقلين مضاعفة عمّا يحدث الأن في درعا , و سينتهج النظام السوري سياسية الانتقام و القتل ضدَّ أيِّ إنسان فكَّر يوماً بالحريَّة والكرامة

وبناءً على ما سبق يظهر زيف كلِّ المشاريع التي يروِّج لها النظام السوريُّ وداعميه من المليشيات الشيعيَّة متعدِّدة الجنسيَّات والتي ترعاها الحكومة الروسية من الترويج لتعريف مشوَّه للبيئة الآمنة الذي لا يعني لهم إلا استعادة السيطرة على الأرض السوريَّة وإعادة إخضاع الشعب السوريِّ والقضاء على آماله بالحرية وبتحقيق العدالة.

ومحاولتهم الإيحاء لدول العالم أنَّ الوضع في سوريَّة أصبح آمناً لعودة اللاجئين، في حين أنّ النظام في واقع الأمر ينتهج سياسة تمنع عودتهم من اعتقال وتهجير وقتل وإخفاء قسريٍّ ومصادرة للأملاك، وفي ظلّ تهجير أكثر من نصف تعداد الشعب السوريِّ يقوم النظام حاليَّا وداعميه بحملة إعلاميَّةٍ للتَّرويج لعمليَّةٍ انتخابيَّةٍ يتمُّ من خلالها إعادة انتخاب بشَّار الأسد رئيساً بقصد إعادة تعويم النّظام واستجلاب الدّعم الدَّوليِّ لإعادة الاعمار وإنقاذه من حالة الإفلاس واللاشرعيّة.

[5] مقابلة خاصّة للرابطة مع أحد السكان المحليين بريف درعا الغربي-نوفمبر 2020

[11] http://daraamartyrs.org/?p=19741

http://daraamartyrs.org/?p=19861

http://daraamartyrs.org/?p=19390

  • صورة الغلاف: تفاوض القوات الروسية على وقف إطلاق النار مع قادة المعارضة في درعا السورية 2018 (وكالة فرانس برس)