المقدمة

في شهر تموز- يوليو أطلقت ثماني دول من الاتحاد الأوربي، وهي إيطاليا والنمسا وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا والتشيك وقبرص واليونان، مبادرة لتغيير استراتيجية الاتحاد الأوروبي حيال سوريا، حيث دعت من خلال ورقة غير رسمية “لا ورقة” إلى التطبيع مع نظام الأسد. وفي مقال مشترك ورد عن تلك المبادرة على لسان وزير الخارجية الإيطالي ونظيره النمساوي بأنهما يعتقدان: “بأن الوقت قد حان لإعادة النظر بنهجنا حيال سوريا”. ويشتمل ذلك طرح السؤالين المزعجين الآتيين: كيف بوسعنا أن نضمن للمواطنين السوريين مستقبلاً اقتصادياً دون الاضطرار لخوض رحلة خطيرة للوصول إلى أوروبا؟ كيف يمكننا الإسهام في خلق الظروف أمام عودة الناس إلى سوريا؟” هذا ولقد دعت الدول الثمانية إلى اجتماع يضم دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما حدث في اليوم الـ 13 من شهر أيلول. ولابد أن يتم التركيز خلال هذا الاجتماع على هذين السؤالين وغيرهما من الأسئلة التي تدور حول مناقشة فكرة تعيين مبعوث عن الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، وذلك باعتباره “نهجاً متوازناً بصورة أكبر تجاه الأطراف في سوريا”، وكيف يمكن للاتحاد الأوروبي الإسهام في خلق الظروف أمام عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين السوريين، وأيضاً كيف يمكن لنهج التعافي المبكر الذي طرحه الاتحاد الأوروبي أن يتطور بما يلبي الاحتياجات في سوريا على المدى البعيد، وغير ذلك.

أعدت الرابطة السورية لكرامة المواطن مذكرة رداً على القضايا الأساسية التي طرحت في المبادرة ووزعتها على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي ستحضر اجتماع اليوم.

تؤكد النقطة الأساسية التي تعتبر أساس تدخلنا على أن الفكرة القائلة بإنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما هي إلا فكرة معيبة إلى حد كبير، كما أنها ستقدم تداعيات كارثية ستلقي بظلالها على العودة الآمنة والكريمة للمهجرين السوريين وعلى مستقبل العملية السياسية. على مدار السنوات الست الماضية، عملت الرابطة السورية لكرامة المواطن بدأب وبصورة مستمرة على التشاور مع السوريين المهجرين وإجراء استطلاعات رأي تشملهم وذلك بهدف جمع بيانات موثوقة عن مواقفهم ونواياهم، وهذا ما يدحض وبصورة منهجية فكرة التطبيع ويظهر إلى أي مدى ستعزز سياسة كهذه من قوة النظام، كما ستفاقم الأزمات الإنسانية القائمة، وستؤخر أو ستمنع بشكل كامل عودة اللاجئين السوريين.

مغالطة سيطرة الأسد

من أهم الحجج التي تبرر التطبيع الاعتقاد القائل بإن الأسد بات يسيطر على أكثر من 70% من سوريا، ولذلك لابد من التعامل معه. بيد أن هذه السردية تقوم على فهم خاطئ كبير للوقائع على الأرض. إذ في الوقت الذي يسيطر النظام شكلياً على بعض المناطق في البلد، تخضع مناطق مهمة لنفوذ أو سيطرة تامة من قبل الميليشيات التابعة لإيران، مثل الحرس الثوري الإيراني، أو حزب الله، ولا تخضع لسلطة نظام الأسد نفسه. وهذا ما نجده على الأخص في المناطق الحدودية التي لا يسيطر عليها النظام بشكل فعال (فهو لا يسيطر على الحدود مع الأردن أو العراق أو مع إسرائيل، وقطعاً لا يسيطر على المنطقة الحدودية مع تركيا). وهذه المناطق الاستراتيجية بطبيعتها تمتد من: البوكمال حتى دير الزور، وإلى تدمر، وحمص، وإلى دمشق، فتصل إلى درعا ولبنان، والحدود الأردنية والإسرائيلية، مما يجعل فكرة إنشاء “مناطق آمنة” أو “أراض آمنة” داخل المناطق التي يطلق عليها بأنها “تخضع لسيطرة النظام” مقترحاً يصعب تحقيقه إلى أبعد الحدود. ركز الأسد بصورة رئيسية على مركزية القوات الأمنية وذلك حتى يفرض وبشكل أشد سياسات قاسية على المواطنين بدلاً من أن يتكفل بإجراء إصلاحات سياسية أو أمنية مفيدة، أو إعادة بناء الاقتصاد، أوالعمل على استقرار مؤسسات الدولة، أو تحسين حقوق الإنسان، أو معالجة المشكلات الإنسانية المهمة، مثل قضية المعتقلين الذين ما تزال مسألة إطلاق سراحهم أهم أولوية لدى الأغلبية الساحقة من المهجرين السوريين وذلك حتى قبل أن يفكروا بمسألة العودة. إضافة لذلك، فإن استمرار العنف في مناطق مثل درعا، واستمرار القمع والاعتقالات العشوائية والإخفاء القسري في دمشق وحمص وغيرها من المناطق، وذلك بحسب ما وثقته منظمات موثوقة مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تشكل أسباباً لزيادة حالات النزوح وازدياد العنف، وهذا بدوره يعكس غياب سيطرة النظام.  إن عدم وجود سيطرة حقيقية وفاعلة في البلد، بل حتى غياب أي مظهر للالتزام بعملية الإصلاح، يقوض الحجة الداعية للتطبيع بوصف ذلك سبيلاً لجعل عملية العودة الآمنة والكريمة للاجئين أمراً ممكناً.

التطبيع العربي: تجربة فاشلة

تمثل عملية التطبيع العربي نموذجاً تحذيرياً للاتحاد الأوروبي. إذ على الرغم من الجهود التي بذلتها الدول العربية لإعادة سوريا إلى مكانتها على المستوى الدبلوماسي، فشل النظام في تلبية كل المطالب الأساسية التي حددتها لجنة الاتصال العربية (ALC)، والتي شملت إنهاء عمليات الاتجار بالمخدرات، وتهيئة الظروف أمام عودة اللاجئين، واستئناف العملية التي اضطلعت بها اللجنة الدستورية. بل على النقيض من ذلك، زادت عمليات تهريب المخدرات بنسبة ثلاثة أضعاف، ولم يتم تحقيق أي هدف من الأهداف الإنسانية أو السياسية. في الحقيقة، يواصل دبلوماسيون من أهم الدول العربية التعبير عن ندمهم الآن وذلك بسبب إطلاقهم عملية التطبيع، بعد أن نتج عن ذلك آثار سلبية ظهرت على جميع الأصعدة. ولذلك يجب اعتبار هذه التجربة بمثابة تحذير صارخ للاتحاد الأوروبي من مغبة التطبيع من دون محاسبة، ثم إن الأدلة على تحقيق تقدم ملموس في هذا المضمار لن تزيد إلا من جرأة الأسد على استمراره في سياساته القمعية.

استخدام النظام للمساعدات الإنسانية كسلاح

قد يمكن التطبيع الأسد من مواصلته لتحويل المساعدات الإنسانية إلى سلاح بيده، بما أن هذه الممارسة قد وثقت بشكل كامل وكبير على مدار العقد الماضي. فقد استغل النظام وبصورة ممنهجة عملية تقديم المساعدات ليرغم المناطق التي سيطرت عليها المعارضة على الخضوع، وعمل على تجويع السكان المدنيين، كما أنه استغل المساعدات لتمويل حملاته العسكرية. لذا يرجح لأي جهود تبذل في مجال التطبيع أن تعزز من هذه الممارسات، وأن تصعب على المنظمات الدولية عملية توزيع المساعدات على من يحتاجونها من دون تدخل النظام. إن هذا التلاعب لم يتسبب بمفاقمة المعاناة في الداخل السوري فحسب، بل تسبب أيضاً بزعزعة الاستقرار في المنطقة بصورة أكبر، ما جعل من مسألة عودة اللاجئين إلى ظروف آمنة أمراً شبه مستحيل.

عودة اللاجئين: وعد غير واقعي في ظل حكم الأسد

مايزال من الصعب تحقيق الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين عودة آمنة وطوعية وكريمة، كما أن التطبيع لابد وأن يزيد من مدة النزوح. إذ بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن نسبة تقل عن 1.1% من اللاجئين السوريين أعربت عن رغبتها بالعودة في ظل الظروف الراهنة. ويطالب اللاجئون بتحسين الظروف الأمنية، مع تمكينهم من الحصول على مصدر للرزق، وحل المشكلات المتعلقة بالمعتقلين، بيد أن نظام الأسد لم يبد أي اهتمام بتحقيق أي من هذه الظروف. في الواقع عملت آخر المراسيم التي سنت على تقوية نظام الأسد ومده بما يلزم من نفوذ ليضع يده وينتزع ممتلكات تعود لأفراد تابعين للمعارضة، وهذا ما يعيق احتمال عودة اللاجئين.

إن رفض النظام معالجة هذه القضايا الأساسية إلى جانب سياساته القائمة على “التطهير السياسي” ووصف اللاجئين بأنهم “خونة” يضمن عدم عودة اللاجئين طالما بقي الأسد في السلطة. تمثل درعا مثالاً صريحاً عما سيحمله التطبيع لبقية أنحاء سوريا، وذلك لأن درعا من المناطق التي “أجرت مصالحة” مع النظام في عام 2018، وبعد مرور خمس سنوات من السيطرة الشكلية (بما أن إيران وروسيا ماتزالان تتمتعان بنفوذ كبير هناك)، ومن “المصالحة”، فإنه لم تظهر سوى موجات جديدة للنزوح باتجاه أوروبا والداخل السوري. أصبحت اليوم الظروف الأمنية المتقلقلة، والاغتيالات، والصراعات العسكرية، والتجنيد الإجباري، وارتفاع مستوى الاتجار بالمخدرات، وحالة الاضطراب بشكل عام والمظاهرات ضد النظام في محافظة السويداء المجاورة والتي تشبه المظاهرات التي خرجت في انتفاضة عام 2011، واقعاً يومياً يشهده من بقي من الناس في درعا. إذ خلال الشهر الماضي (شهر آب)، هدد رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا أهالي بلدة محجة بمحافظة درعا بتحويل البلدة إلى “منطقة شبيهة بغزة” في حال عدم خضوعهم لقوانين النظام وشروطه. وهذه البيئة والسياسات لن تعيق عودة اللاجئين فحسب، بل إنها ستستمر في دفع الناس نحو الخروج في موجات نزوح جديدة.

الفساد والانتعاش الاقتصادي: بداية لن يكتب لها النجاح مطلقاً

هنالك حجة أخرى للتطبيع وهي أنه يمكن أن يؤدي إلى حدوث انتعاش اقتصادي في سوريا. بيد أن الفساد المتجذر لنظام الأسد يجعل من هذا الاحتمال أمراً غير وارد. إذ على الرغم من الجهود الدولية التي استمرت لسنوات، لم يبد الأسد أي قابلية أو مصلحة في الاستعانة بالأموال بطريقة شفافة أو عادلة. وقد فشل التطبيع العربي في تحسين الاقتصاد السوري، إذ هبطت قيمة الليرة السورية وأصبح الاتجار بالمخدرات الدعامة الأساسية للعوائد التي يحصلها النظام. ثم إن أي توقع بأن يعمل الأسد على إدارة أموال الإنعاش الاقتصادي بشكل عادل لا يعتبر توقعاً ساذجاً فحسب بل إنه توقع متهور أيضاً. وفي ذلك سوء استخدام لأموال دافعي الضرائب الأوروبيين، لأن ذلك سيعزز ممارسات الفساد التي ينتهجها النظام، ولن يستفيد الشعب السوري من ذلك بشيء.

وهنا لابد لنا أن نتذكر بأنه في الوقت الذي يعتبر تحسين الوضع الاقتصادي للبلد بصورة شاملة وتحسين ظروف العيش أمام المواطنين السوريين العاديين أحد أهم المتطلبات المسبقة لحث السوريين على البقاء في سوريا ومنعهم من التفكير في البحث عن وجهة جديدة، فإن تحسين الوضع الاقتصادي إلى جانب معالجة ملف المعتقلين لا يزال أهم شرط لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطق سيطرة النظام.

إحياء العملية السياسية عبر التطبيع: فكرة خيالية طوباوية

أثبتت السياسات القائمة على تقديم تنازلات للنظام السوري بأنها تجربة مؤلمة وطويلة الأمد، إلى جانب كونها محكومة بالفشل، فضلاً عن كونها تمثل نهجاً يعتمد على الطيش والتلاعب في نهاية المطاف. إذ أثبتت كل من مبادرة “السلال الأربع” و”اللجنة الدستورية” و”خطوة بخطوة” وأخيراً التطبيع العربي بأن النظام غير مستعد، وفي بعض الحالات على أنه غير قادر على تقديم أي تنازلات أو إبداء أي مرونة لتحريك العملية السياسية أو لتحسين الظروف الأمنية والمعاشية للعائدين السوريين.

إن كل هذه المقاربات تعمل في الحقيقة على زيادة جرأة النظام وتشجيعه على لعب دوره المعيق في العملية السياسية، إلى جانب إضعاف أكبر لموقف بعض الداعمين الإقليميين والدوليين للعملية السياسية، وهذا ما يجعلهم يخسرون معظم الثقل السياسي والاقتصادي الذي يتمتعون به.

منذ انتهاء أهم العمليات العسكرية، تمثلت أهم الإجراءات التي اتخذت خلال السنوات القليلة الماضية وأظهرت أثرها على النظام مع تشكيلها لنفوذ وضغط حقيقيين بالعقوبات التي استهدفت جهات وأفراداً معينين، مثل العقوبات الأوروبية و”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”.

فرضية خاطئة للنقاش بشأن تغيير استراتيجية الاتحاد الأوروبي المعنية بسوريا

 لن يحقق تطبيع العلاقات مع نظام الأسد الاستقرار أو السلام، كما أنه لن يقدم أي حل لأزمة اللاجئين. بل إنه سيرسخ الحكم الاستبدادي للأسد حتى بعد أن أصبح فارغاً من المضمون، كما سيزيد الوضع الإنساني سوءاً، وسيؤخر عودة ملايين النازحين السوريين بشكل آمن وكريم إلى بلدهم. تبين الدروس المستفادة من التطبيع العربي مع النظام بأن التعامل مع الأسد من دون الحصول على أي تنازلات مهمة بشأن حقوق الإنسان والحكم والوضع الأمني لابد أن يعود بنتائج سلبية، كما سيطيل ذلك من أمد معاناة الشعب السوري وسيضع الاتحاد الأوروبي في موضع الشريك أو المتواطئ في أعين السوريين والمجتمع الدولي، وذلك عند اتخاذه لهذا القرار المدمر وغير المفهوم والقائم على التراجع عن السياسات التي التزم بها حيال سوريا.

ولذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي رفض الوعد الكاذب بالتطبيع والتركيز عوضاً عن ذلك على خلق بدائل قابلة للتطبيق تعطي الأولوية لكسب نفوذ سياسي واقتصادي أو على الأقل الحفاظ على ما تم تحقيقه منهما وذلك من أجل متابعة أجنداته الأساسية في سوريا، مثل حقوق الإنسان وعودة اللاجئين بشكل آمن، وتحقيق الاستقرار في سوريا على المدى البعيد. وقد تجلى ذلك في الإجابات الواقعية على الأسئلة التي طرحت من أجل الدفع لقيام نقاش يتصل بوضع استراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي:

  • هل يتعين على الاتحاد الأوروبي تعيين مبعوث لسوريا كي يتعامل مع كل الأطراف السورية ويدعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة؟

تتمثل الحقيقة القاسية التي ينبغي على الاتحاد الأوروبي مواجهتها في أن النظام السوري يسعده أن يواصل أعماله بوصفه نظاماً لدولة مارقة طالما بقي في السلطة إلى جانب إدارته للعملية السياسية بهدف تحقيق مكاسب، وعلى رأسها التطبيع والانتعاش الاقتصادي (لصالح النظام وليس البلد). أثبتت “العملية السياسية” بعد مرور ثلاثة عشر عاماً، إلى جانب عدد من المبادرات الخاصة وبما لا يدع مجالاً للشك، بأن النظام لا يعنيه أمر تحقيق أي انتقال سياسي أو إجراء أي إصلاحات.

وقبل التفكير بأي تغيير للسياسة، يجب إجراء مراجعة شاملة لنتائج المبادرات التي بنيت على تنازلات لصالح نظام الأسد كتلك التي أسلفنا الحديث عنها.

إن الهدف المتمثل بالابتعاد عن الوضع الراهن يقوم على المضي في الاتجاه الصحيح وليس التحرك في أي اتجاه (من المحتمل أن يكون السير نحو التراجع) إذ يجب أن يتمثل الهدف بتحقيق تقدم وليس بتحريك الأمور بطريقة عشوائية لأن النظام قد يستفيد من ذلك، وسيكون الشعب السوري هو المتضرر. ثم إن أي خطوة خاطئة يقدم عليها الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي على المستوى السياسي يمكن أن تترجم إلى ضرر لا يمكن التراجع عنه فيما يخص مستقبل سوريا وشعبها.

لذا يجب أن تكون حالة خلق توازن بين الآثار قصيرة الأمد وطويلة الأمد لأي سياسة معنية بسوريا جزءاً لا يتجزأ من تحليل هذه السياسة، بل حتى الحلول التي قد تبدو بمثابة عملية إغاثة فورية للشعب السوري قد تخفي وراءها ثمناً ثقيلاً سيدفعه هذا الشعب على المدى البعيد. كما قد يترتب عليها ضرر لا يمكن تلافيه بالنسبة لمستقبل السوريين، ولاسيما في حال تسببت تلك التنازلات أو السياسات التي لم يخطط لها بعناية بدعم نظام الأسد، والذي مايزال يمثل أكبر عقبة تمنع اللاجئين من العودة إلى وطنهم.

يرتبط النظام السوري بشكل عضوي بالوجود الإيراني في سوريا، لذا من المستحيل الفصل بينهما، كما أنه من غير الوارد أن يتمنى المرء من النظام أن يسعى لتطبيق سياسات مستقلة عن إيران. يتمثل النموذج الإيراني بالنسبة لسوريا في حكومة ضعيفة ومتشظية تسمح بإقامة مناطق نفوذ وسيطرة يديرها أعوان إيران بشكل كامل، وتتعارض هذه المقاربة بشكل كامل مع فكرة وجود حكومة مركزية قوية تمارس حكماً رشيداً وتكون قادرة على خلق بيئة آمنة أمام عودة اللاجئين وقيام انتعاش اقتصادي.

تعتمد الدائرة المحيطة بالنظام على الاتجار بالمخدرات من خلال شراكتها مع القوات المؤيدة لإيران، ويستحيل لهذه الشراكة أن تنفض، كما يستحيل على النظام أن يتخلى عن هذا المورد الذي يمده بالأموال.

تطرح جميع الحجج التي أوردناها سؤالاً وجودياً يتعلق بقيمة التعامل الدبلوماسي مع نظام الأسد وفوائد ذلك بعيداً عما يقوم به مكتب المبعوث الخاص ولجنة الاتصال العربية. إن مثل هذا التعامل لن يعمل إلا على تقديم نفوذ سياسي مجاني للنظام السوري، كما أنه سيرسل إشارات تحذيرية للشعب السوري، وسيوجه رسالة منع للاجئين والنازحين في الداخل مفادها أن الوضع في البلد لن يتحسن بل سيزداد سوءاً، ولهذا ابقوا حيث أنتم.

  • هل يجب على الاتحاد الأوروبي تحسين حالة التوازن بالنسبة لنهجه مع الفرقاء؟

إن نظام الأسد لا يمثل الحاكم الفعلي، ولهذا فإن أي محاولة لـ”شرعنة” هذا النظام ستمنحه مزيداً من القوة حتى يقمع الشعب السوري الخاضع لسيطرته أكثر فأكثر. إلا أن الفكرة الخطيرة هنا تتمثل في أن الحديث عن “المصالحة” بدل “الانتقال”، بحسب ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254  تعكس منطقاً سقيماً للغاية، يتمثل في التفكير بأن النظام الذي لم يشارك بنية طيبة في العملية السياسية حتى الآن سيشارك بنية طيبة اليوم، وذلك عبر منحه تنازلات وامتيازات سياسية واقتصادية بدلاً من انتزاع مزيد من النفوذ السياسي منه والبحث عن الآليات المناسبة لممارسة الضغط عليه.

ظهرت مبادرات سياسية كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية: وشملت مبادرة السلال الأربعة، واللجنة الدستورية، والآن خطوة بخطوة، وجميعها قام بالالتفاف على الجوهر الحقيقي للقرار 2254 بما أنها وضعت لترضي نظام الأسد لا المعارضة (التي كانت متعاونة على الدوام على الرغم من عيوبها والمشكلات التي تسببت بها لنفسها)، ومع ذلك لم يشارك النظام حقاً في العملية السياسية بل بقي يعمل كقوة تعيق عملها.

كانت آخر مبادرة (خطوة بخطوة)، والتي اعتمدت نظرياً على تقديم تنازلات متبادلة بين النظام والمعارضة، إلا أنها اقتصرت على بعض الزيارات لشخصيات دبلوماسية رفيعة إلى دمشق، إلى جانب قيام التطبيع العربي بحد ذاته، من دون أن يقدم النظام أي شيء مقابل ذلك، وبذلك بدا النظام وكأنه لم يطلب منه أي شيء (وهنا نقول “بدا” بما أن هذه المبادرة وضعت ونفذت في ظل غياب كامل للشفافية). أثبت هذا التوجه القائم على تقديم تنازلات للنظام عدم فعاليته بصورة كاملة إلى جانب تحقيقه لنتائج عكسية، لأن كل ما فعله هو زيادة جرأة النظام على إعاقة العملية السياسية بصورة أكبر، والأهم من ذلك أنه منح النظام “رخصة شاملة” لمواصلة سياساته القمعية والفاسدة ضد الشعب السوري.

وهنا لابد أن نؤكد على أن مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بسوريا يعتبر محاوراً مناسباً ومتحدثاً ملائماً يعنى بقيادة الجهود السياسية مع كلا الطرفين (أي النظام والمعارضة)، وفي هذا الوقت لا يجوز أن يتظاهر الاتحاد الأوروبي باللعب بورقة الحياد لأنه من المأمول والمتوقع من الاتحاد الأوروبي أن يدعم مصالحاً وقيماً معينة، ولا يحق له أن يقف على الجانب الخطأ من التاريخ فيما يتصل بالنزاع في سوريا ومستقبل شعبها.

  • كيف يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز التعاون مع المبعوث الأممي الخاص بسوريا ودعم مسألة استئناف أعمال اللجنة الدستورية كما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254؟

لدى الاتحاد الأوروبي مصلحة وجودية في قيادة عملية إصلاح العملية السياسية بموجب القرار 2254، وذلك للارتقاء بعملية إقامة بيئة آمنة لتتصدر الأجندة السياسية. يجب على مكتب المبعوث الخاص العمل على تركيز عملية تأمين الحقوق والحد الأدنى من الشروط أمام العودة التي تحدث عنها اللاجئون والنازحون داخلياً، بوصف ذلك جزءاً أساسياً من أي حل سياسي وعناصره المفردة، مثل وضع دستور جديد يتمتع بالمصداقية وإقامة انتخابات قائمة على مبدأ المصداقية نفسه. وبالمقابل، يجب نبذ حب المغامرة و”المشاريع التجريبية” المشبوهة والتخلي عنها بوصفها شيئاً يفضي بكل تأكيد إلى ظهور موجات نزوح جديدة باتجاه أوروبا، بدلاً من أن تؤدي إلى عودة دائمة وآمنة كريمة للاجئين. إن العمل على خلق بيئة آمنة بشكل مستدام في سوريا هو السبيل العملي والمنطقي الوحيد من أجل التوصل إلى حل سياسي مشروع وشامل يؤدي إلى عودة المهجرين.

يجب إطلاع الدول المانحة وأهم الداعمين للعملية السياسية على الحقيقة القائلة بإن بعض الحلول الخاصة و”المشاريع التجريبية” تسهم بشكل غير مقصود في إكساب النظام السوري حالة الشرعية وفي كسبه للتطبيع الذي يتسبب وبشكل خطير في إضعاف النفوذ والثقل الذي يتمتع به المجتمع الدولي خلال أي مفاوضات فاعلة ستقام مستقبلاً مع النظام بهدف التوصل إلى تسوية سياسية.

يجب على مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بسوريا تحصيل نفوذ سياسي والتمتع بأدوات للضغط لتعزيز موقفه أمام النظام السوري وداعميه بصورة أساسية. ينبغي على مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بسوريا تأمين بدائل عن المقاربات الخاصة الموجودة حالياً.

  • كيف يمكن للاتحاد الأوروبي المساهمة في خلق الظروف أمام عودة اللاجئين السوريين عودة آمنة وطوعية وكريمة؟

بحسب مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، فإن التحسن الأساسي الذي طالب به اللاجئون حتى يعيدوا النظر بقرارهم حيال العودة يتمثل بتحسين ظروف “الأمن والأمان” ثم “قدرتهم على تحصيل مصدر للرزق/أو فرص للعمل”. منذ التطبيع العربي، قام النظام بخطوات أخرى لمنع عودة اللاجئين، مثل المرسوم الجديد الذي أصدره في تشرين الثاني 2023 والذي يسمح للنظام بمصادرة ووضع اليد على ممتلكات تعود لمواطنين يعتبرهم النظام “خونة”، بما أن هذا الاتهام يوجهه النظام عادة للسوريين التابعين للمعارضة. كما قام النظام السوري بخطوات وإجراءات (معظمها أمنية وأتت على شكل عمليات اعتقال) وذلك لمنع عودة اللاجئين مع إبقائه على وضع سوريا كما هو، حتى تبقى مكاناً غير آمن بالنسبة لهم وذلك بحسب تقرير لهيومان رايتس ووتش صدر في أيلول، عام 2023. لا يمكن للنظام ترؤس عملية التغيير اللازمة لتحويل سوريا إلى مكان آمن يرحب بعودة اللاجئين، وذلك للأسباب التالية: فقد نفذ النظام عملية “تطهير سياسي” في المجتمع، واعتبر الغالبية العظمى من اللاجئين بمثابة خصوم سياسيين وخطر أمني كبير في حال عودتهم إلى سوريا.

يجب على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تأخذ بعين الاعتبار أدنى الشروط للعودة والتي حددها المهجرون السوريون، وذلك لتقرير متى سيصبح الوضع آمناً أمام عملية العودة. يجب على المفوضية أن تعمل وبشكل فاعل على إشراك المهجرين في سوريا ضمن حوارات تتصل بإصلاح العمل الإطاري التنفيذي الإقليمي مع تقدير العتبات الحالية وتعديلها بما ينسجم مع آرائهم. كما ينبغي على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن تقدم معلومات واضحة وآنية تتعلق بالظروف الحالية وقدرتها على تأمين وصول العائدين في سوريا واللاجئين في الدول المضيفة وحمايتهم، بما أن هؤلاء قد يتعرضون لخطر الإعادة القسرية أو المبكرة، بالإضافة إلى العمل الذي يجب القيام به لتلبية أدنى شروط العودة.

لدى الاتحاد الأوروبي مصلحة راسخة في الحفاظ على استقرار الجوار المحيط به مباشرة، مع منع تجدد أزمة اللجوء. تلعب تركيا دوراً حساساً في احتواء موجات اللجوء إلى أوروبا، ولذلك يجب أن تولي مقاربة الاتحاد الأوروبي الأولوية للتعاون الدبلوماسي والجاهزية والالتزام بمعايير حقوق الإنسان. وإضافة لذلك، يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في ضمان الالتزام بحقوق وأمان اللاجئين السوريين ضمن السياسات التركية ذات التطور المستمر وفي ظل التطبيع المحتمل مع نظام الأسد. يجب أن تتركز ممارسات الاتحاد الأوروبي على منع عمليات الإعادة القسرية، ومناصرة فكرة إقامة بيئة آمنة في سوريا قبل أي عملية إجلاء، وكذلك الوقوف ضد تطبيع العلاقات مع الأسد من دون إجرائه لإصلاحات مهمة في مجال حقوق الإنسان.

  • كيف يمكن لنهج التعافي المبكر الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي أن يتطور لمعالجة الاحتياجات في سوريا على المدى البعيد؟ هل بوسع الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات لدعم استراتيجية التعافي المبكر التي يروج لها المنسق الأممي؟

إن العقبة الأساسية التي تقف في طريق أي تعاف اقتصادي (في حال توفر الدوافع والبرامج والتمويل) أو حتى في طريق عملية تسليم المساعدات، تتمثل في الفساد الممنهج للنظام والذي يعود للعقود التي سبقت عام 2011. لذا فإن أي توقع بأن يقوم النظام بإدارة أموال عملية التعافي المبكر أو إعادة الإعمار بشكل منصف وشفاف يعتبر استغلالاً طائشاً ومتهوراً لأموال دافعي الضرائب الأوروبيين.

يعتمد النموذج الاقتصادي الحالي للأسد وبشكل كلي على تصنيع الكبتاغون وتوزيعه في المنطقة، ويتم ذلك بإشراف مباشر من قبل النظام والقوات الموالية لإيران، حيث تعتبر هذه العملية المصدر الرئيس للتمويل غير المشروع الذي يصل إلى النظام والمليشيات التابعة لإيران. بيد أن القرار الذي يقضي بوقف هذه الأنشطة ليس بيد النظام.

أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي بأن تصنيع الكبتاغون والمتاجرة به تحول إلى “نموذج للمشاريع التجارية التي يقودها النظام والتي تعمل على إثراء الطبقة المقربة منه وتزويدها بدخل يرفد قدرتها على مواصلة تطبيق سياسات القمع ضد السكان المدنيين”. في شباط 2023، قدرت الولايات المتحدة بأن تجارة الكبتاغون التي يمارسها النظام قد “تحولت إلى مشروع غير قانوني يدر مليارات الدولارات”، وهذا يعني بأن مجرد التفكير بتزويد النظام وحلفائه في سوريا ببدائل أمر صعب للغاية.

في بداية التطبيع العربي مع النظام، كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي قد وصل إلى 7500 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، أما الآن فقد وصل إلى 15000 ليرة، على الرغم من محاولات فتح طرق تجارية بين مناطق سيطرة النظام ودول الجوار، إلا أن هذه الطرقات قطعت لفترة طويلة وصارت تستخدم من أجل عمليات التهريب هي الأخرى. تشير جميع المعلومات التي أسلفنا الحديث عنها إلى أنه خلال سنة واحدة مع تطبيع الدول العربية مع النظام ومن استمراره في الاتجار بالمخدرات لم ينعكس أي من ذلك على الاقتصاد السوري. وبالتالي فإن التحدي الأساسي الذي يجابه الانتعاش الاقتصادي في سوريا يتمثل في فساد النظام وينطبق الأمر ذاته على المساعدات.

لذا وقبل الخوض في أي موضوع آخر، لابد من إجراء عملية تدقيق حسابات موضوعية ومستقلة حول كيفية استعانة الوكالات الأممية والمنظمات الدولية والسورية التي تعمل على الأرض بأموال الاتحاد الأوروبي وذلك لمنع أي تلاعب بالمساعدات أو أي تدخل من النظام السوري بما يعزز أجندته القمعية والإجرامية، وذلك قبل التفكير حتى في أي مقاربة للتعافي المبكر، وذلك في حال قرر القائمون على هذا الأمر حماية دافعي الضرائب الأوروبيين وجعل المساعدات تحقق أثراً مهماً في سوريا. لابد من إجراء مراجعة شاملة لسياسات وممارسات الوكالات الأممية التي شاركت في عملية توزيع المساعدات الإنسانية في سوريا، وذلك قبل وضع أي خطط من أجل عودة المهجرين السوريين عودة آمنة وطوعية وكريمة عقب التوصل إلى حل سياسي شامل بضمانات دولية راسخة. من الضروري تأمين عملية تنفيذ المساعدات الإنسانية بما ينسجم مع المبادئ الدولية والعمل على ألا تكون تلك المساعدات مجرد مساعدات تعين الناس على البقاء على قيد الحياة، وذلك بما يتماشى مع مبادئ ومعايير الأمم المتحدة للمساعدات الأممية في سوريا لعام 2018.

  • كيف يمكن للاتحاد الأوروبي معالجة الآثار السلبية غير المقصودة للعقوبات على السكان والإفراط في الامتثال في النظام المصرفي؟

لقد تبين أن فرض العقوبات هو السبيل الوحيد لبناء النفوذ السياسي، حيث أثرت بشكل كبير على النظام. لذا فإن توظيف الجهود في وضع عقوبات أذكى وأبعد وصولاً قد يكون له أثر أكبر في انتزاع تنازلات محدودة ومفيدة من قبل النظام.

ومن الواضح بأن العقوبات الدولية المفروضة على النظام بسبب وحشيته وقمعه للشعب السوري لم توضع كي تستهدف عامة الشعب. بل على العكس، حيث ماتزال الدول التي فرضت عقوبات من أكبر الجهات الداعمة للمساعدات الإنسانية والطبية التي تقدم للشعب السوري.

ولا يمكن رفع العقوبات طالما ظل المهجرون محرومين من حقوقهم، وطالما لم تتوفر الشروط الدنيا لعودتهم الآمنة والطوعية والكريمة. ولذلك فإن أي سيناريو آخر من شأنه أن يعترف بإفلات بشار الأسد من العقاب على الجرائم البشعة التي ارتكبها نظامه وحلفاؤه، والتي لها عواقب مدمرة ودائمة لا يمكن تلافيها على سوريا والمنطقة.

لذا فإن الآلية الواقعية الوحيدة لتخفيف حدة أي أثر غير مقصود لهذه العقوبات تتمثل من خلال عملية مراجعة حسابات وتدقيق مستمرة لآليات تسليم المساعدات، وذلك لضمان وصولها إلى الفئات المعنية من المجتمع السوري، كونه لم يستفد من عملية رفع العقوبات سوى الدوائر المقربة من النظام ووكلائهم الماليين.

  • هل بوسع الاتحاد الأوروبي استكشاف وتطوير أدوات للقوة الناعمة مثل الدبلوماسية الثقافية؟ لماذا تعتبر حماية التراث الثقافي خارج الخطوط الحمراء؟

هذه القضايا لا تشكل سوى أهمية ضئيلة بالنسبة للمهجرين السوريين وهامشية للغاية بالنسبة للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لأن ما يهمهم بنسبة أكبر هو استعادة ممتلكاتهم، وتأمين مصدر مباشر للرزق، على عكس ما يشاع حول النهج الساعي لإقامة “مناطق آمنة” للعودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والتي كنا نود من الاتحاد الأوروبي أن يقوم بمعالجتها بشفافية. ومن الصعوبة بمكان تخيل وجود اهتمام حقيقي من جانب النظام بنهج كهذا، كونه قد استهدف وبشكل مشدد الأبنية والآثار التي تتمتع برمزية وتعتبر جزءاً من التراث الثقافي والتاريخي لسوريا وللبشرية، وهذا إن لم يستغل هذا النظام ذلك النهج حتى تصل مزيد من الأموال إلى جيوب الدائرة المحيطة به.

تعتمد مسألة التخطيط للعودة، والتي يزعم البعض بأن العمل عليها قد بدأ بالفعل، على دعم عمليات “العودة على أساس المنطقة”، بيد أن خارطة الطريق إلى جانب عدد من الأفكار التي تتصل بمشاريع تجريبية والتي تعمل على تقسيم عملية العودة إلى مراحل، تعتبر إشكالية إلى حد بعيد، وذلك لأنها تسهم في استمرار الواقع الحالي الوارد وصفه في الأقسام السابقة من هذه الوثيقة. بحسب وثائق استراتيجية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أساس العودة يستحيل من دون اتفاق سياسي من شأنه توفير ضمانات دولية لتوفير بيئة محددة بشكل واضح إلى جانب كونها بيئة آمنة وهادئة ومحايدة، مع توفير أدنى الظروف التي يجب تطبيقها قبل أن تصبح أي عودة آمنة وكريمة وطوعية أمراً ممكناً. إن هذا التخطيط لإقامة “منطقة آمنة” يهدد بتفريغ أي حل سياسي مستقبلي من محتواه، بما أن العمود الفقري لهذا الحل يقوم على العودة الآمنة والكريمة لأكثر من 13 مليون مهجر سوري، أي أكثر من نصف سكان سوريا. نطالب كل من شاركوا في هذه العملية بالعودة إلى العمل الإطاري القائم والذي وضع بموجب ” الاستراتيجية الشاملة للحماية والحلول CPSS” التي تتبناها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع ضمان كامل الشفافية والتشاور بشكل مفيد مع المهجرين السوريين وذلك بشأن أي عملية تخطيط تهتم بأمر عودتهم.

من خلال الوثائق الاستراتيجية والتنفيذية الخاصة بها، وضعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ثلاثة معايير لابد من تحقيقها في الداخل السوري قبل أن تنتقل المفوضية من “المرحلة الأولى” (وهي المرحلة الحالية بحسب ما أعلنته المفوضية اعتباراً من شهر حزيران، عام 2022)، إلى “المرحلة الثانية”، وهي المرحلة التي يمكن للمفوضية أن تبدأ معها بعملية تسهيل العودة الطوعية على نطاق واسع.

    • يجب تنفيذ إطارات عمل قانونية تضمن حقوق العائدين ومن بينها حق الوصول إليها وإلى مناطق العودة بدون عوائق.
    • هناك دليل واضح على توفر لائحة العتبات الدنيا للحماية وعددها 22 في مكان العودة.
    • يطلب اللاجئون الدعم بشكل فعال من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن العودة “بأعداد كبيرة”.

علينا أن نؤكد هنا على النقطة رقم 2 باعتبارها تمثل إحدى أهم الأخطاء التي تقوم على أسباب جذرية وذلك فيما يتصل بفهم الواقع الحالي، إذ لا يمكن تحقيق عتبات الحماية أو تطبيقها على المستويات المحلية، وذلك لأن الحقيقة التي مفادها بإن هنالك عدد من سلطات الأمر الواقع التي تنتشر في ثلاث مناطق رئيسية في سوريا تجعل من الصعب تخيل كيف يمكن لجزء ضئيل من كل هذه المناطق أن يتمتع بظروف أمنية وقانونية ومعاشية أفضل من محيطه.

ثم إن “المناطق الآمنة” الواقعة في الأماكن التي يسيطر عليها الأسد سوف تؤدي إلى مزيد من الضغط على اللاجئين في الدول المضيفة، بما في ذلك زيادة خطاب الكراهية وتجريد اللاجئين المستهدفين من إنسانيتهم، حيث هذا ما وظفته الأحزاب السياسية في دول مثل لبنان وتركيا من أجل تحقيق مكاسب سياسية، في حين أنه في الواقع لن يتمكن اللاجئون من العودة.

يبدو أن التخطيط الراهن بشأن مبادرة العودة الطوعية يمنح النظام السوري دوراً مركزياً في تحديد كيفية تنفيذ مساعدات العودة (مع أن النظام نفسه هو المسؤول عن تهجير ملايين السوريين). وهذا أمر مدهش بحد ذاته.

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها الرابطة السورية لكرامة المواطن على اللاجئين السوريين بأن أكثر من 70% قد يخاطرون بحياتهم من خلال محاولة الوصول إلى أوروبا بدلاً من قبول الإعادة القسرية إلى مناطق سيطرة الأسد، والتي تشتمل على ما يعرف بـ”المناطق الآمنة”.

في حال تبني مخطط كهذا، يجب على الاتحاد الأوروبي الاستعداد لاحتمال زيادة تدفق اللاجئين نتيجة لهذه التقلبات في السياسة. ويشمل ذلك تعزيز القدرة الاستيعابية لأنظمة اللجوء وضمان دعم الدول الأعضاء الموجودة على خط المواجهة بشكل كاف، مع توسيع إمكانيات تقديم طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وضمان تحمل الدول الأعضاء كافة لمسؤوليتها في معالجة طلبات اللجوء وإعادة توطين اللاجئين، مع تزويد الدول الموجودة على حدود الاتحاد بموارد أخرى ودعم إضافي، وعلى رأسها اليونان وبلغاريا.

اقرأ الإحاطة كاملة من هنا: