اسطنبول، 14 أيلول 2022 – تحذر الرابطة السورية لكرامة المواطن من تصعيد قوات النظام السوري في درعا حيث يتم الحشد حول مدينة جاسم لشن هجوم عليها بعد اعتقال شبابها وابتزاز أهلهم لدفع فديات ضخمة. اليوم، تُعتبر درعا نموذجًا حيًا للوعود المشبوهة والفارغة للنظام السوري، والفشل الذريع لروسيا كضامن للسلام، أي سلام في سوريا.
يؤكد التصعيد الحالي في مدينة جاسم على ما ألمحت إليه رابطة كرامة مرارًا وتكرارًا حول عدم فاعلية “اتفاقيات المصالحة” في سوريا التي لطالما كانت أداة يستخدمها النظام السوري وروسيا للاستيلاء على المناطق التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها بالقوة العسكرية.
أدى عدم استقرار الوضع الأمني ، المصحوب بتدهور الأوضاع المعيشية، إلى موجات نزوح جديدة من درعا إلى أوروبا والدول المضيفة الأخرى. الاتفاق الذي تم توقيعه لتحقيق السلام والاستقرار وتمهيد الطريق لعودة المهجرين تبيّن أنه أداة يستخدمها النظام لمواصلة ممارساته غير القانونية والإجرامية من الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاغتيالات والتجنيد الإجباري.
فوفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها رابطة كرامة، أفاد94 في المائة ممن تمت مقابلتهم في مناطق المصالحة بأنهم لا يشعرون بالأمان، حيث نشأ الشعور بانعدام الأمن بسبب التجنيد الإجباري والاغتيالات الواسعة والاعتقالات التعسفية. بينما أفاد 68 في المائة بأنهم غير آمنين بسبب انتهاكات الحقوق والإساءة والابتزاز التي تعرّضوا لها بشكلٍ مباشر، ضد أنفسهم أو ضد آخرين من أسرهم أو مجتمعهم.
ومن هنا، فإنٌ الأدلة تُظهر بوضوح أنّ النظام السوري، إلى جانب حلفائه الروس والإيرانيين، لا يهدف إلى استخدام “اتفاقيات المصالحة” لتهيئة بيئة مناسبة لعودة المهجرين، وإنما لتأمين السيطرة الكاملة على الأرض مع عدد صغير جدًا من السكان الأصليين. الهدف النهائي لهذه الاستراتيجية هو جذب أموال إعادة الإعمار، وفي النهاية جلب السكان الموالين للنظام ، غالبًا من مجموعات طائفية مختلفة ليحلّوا محل السكان الأصليين. وتقود هذه الجهود بشكلٍ مكثف إيران والميليشيات الموالية لها في المنطقة الجنوبية من سوريا، والتي كانت نشطة للغاية في تهريب المخدرات.
لقد فشل نموذج “المصالحة” البالي المُطبّق في الجنوب السوري بضمانات روسية في تحقيق أدنى مستوى من الاستقرار أو تأمين الحد الأدنى من الخدمات العامة اللازمة للمعيشة. وبدلاً من ذلك، فقد أدى إلى تصعيد عسكري جديد في المنطقة يتّسم بتصفيات وصراعات شبه يومية.
يؤكد هذا النموذج وآثاره مرة أخرى أن النظام وحلفاءه غير قادرين على إيجاد حل مستدام في سوريا دون وجود دولي قوي يضمن سلامة الناس ومصالحهم. بل على العكس من ذلك، فقد نجحوا فقط في زيادة الفوضى وخلق موجات جديدة من النزوح الصامت من مناطق المصالحة.
اليوم، مع استمرار النزوح غير المسبوق بأشكالٍ مختلفة، تظل العودة الآمنة والطوعية والكريمة لأكثر من نصف سكان سوريا هي القضية الرئيسية لأي أمل في سلام دائم ومستقر في البلاد والمنطقة. لذلك يجب الاستمرار بالإبلاغ عن الواقع في هذه المناطق لما لذلك من أهمية قصوى لمنع التطبيع وقبول مثل هذه الممارسات، والتي تهدف إلى ترسيخ النزوح والحفاظ على قبضة النظام السوري القمعية على الشعب السوري.
الوضع الأمني المتدهور في درعا هو البيئة الآمنة كما حددتها روسيا. في تلك “البيئة الآمنة” لا يزال السوريون يعانون من القتل والخطف والاعتقال والتهجير والموت أثناء محاولتهم الفرار. درعا ليست سوى صورة مصغرة لما يمكن أن يكون عليه الواقع بالنسبة لسوريا بأكملها إذا أرادت روسيا “ضمان” بيئة آمنة لملايين المهجرين السوريين.
لم تشارك روسيا بفاعلية في قتل وتهجير السوريين وتدمير مدنهم وحرمانهم من سبل العيش فحسب، بل تبذل حاليًا جهودًا هائلة لتطبيع النظام السوري وجني ثمار تدخلها في سوريا. ومع ذلك، تظلّ درعا تذكيرًا مأساويًا بأنه لا يمكن أن تكون هناك عودة مستدامة وآمنة وكريمة مع وجود النظام السوري ولا حتى بضمانات روسية.
لا يسع المرء إلا أن يتخيل واقع درعا المفروض على 13 مليون نازح ولاجئ إذا أجبروا على العيش تحت سلطة الأسد. إنّ سياسة الانتقام والقتل التي ينتهجها النظام السوري ضد كل من تجرأ على المطالبة بالحرية والكرامة أفضت إلى مئات الآلاف من القتلى والمُختفين.
نحن، 13 مليون مهجر/ة سوري/ة، نرفض السماح لروسيا بفرض رؤيتها الخاصة بـ “البيئة الآمنة” في سوريا. يجب على المجتمع الدولي أن يتّحد من أجل إنهاء النفوذ والهيمنة الروسية على سوريا، والعمل بنشاط من أجل تأمين حل سياسي شامل لا يجلب السلام والاستقرار فحسب، بل يضعُ حدًا لموجات الهجرة المتزايدة إلى أوروبا بشكلٍ فعال، و يدعم إنشاء بيئة آمنة تمنح المهجرين السوريين عودة آمنة، طوعية وكريمة.