تمر سوريا في هذه الأيام بالذكرى الثالثة عشر لانطلاق أكبر حراكٍ شعبيٍ في تاريخها المعاصر في كافة أنحاء البلاد ومن قبل مختلف الطبقات الاجتماعية والمكونات العرقية والدينية للمجتمع السوري، حراكٌ قوبل بعنفٍ منقطع النظير وبجرائم حربٍ وجرائمَ ضد الإنسانية، ارتكبت بحق الشعب السوري من قبل النظام السوري وحلفائه، مرت حتى الآن دون محاسبةٍ أو عقابٍ حقيقيين.
اليوم، ما يزيد عن نصف سكان سوريا يعيشون حالة تهجيرٍ قسريٍ داخل سوريا وخارجها، ويتعرض معظمهم لظروفٍ معيشيةٍ قاسيةٍ وضغوطٍ للعودة القسرية إلى مناطق النظام وحرمانٍ من حقوق الإنسان الأساسية، إلا أن إصرار السوريين على بناء مستقبلٍ أفضل لهم وللأجيال القادمة ما زال قوياً، وما زالوا متمسكين بحقهم في حياةٍ آمنةٍ وكريمةٍ على أرض وطنهم.
إن استمرار معاناة الشعب السوري وحالة عدم الاستقرار الإقليمية يعود بشكلٍ أساسي إلى استمرار سياسات النظام السوري الأمنية والعسكرية بدعم من حلفائه، وفشل الحلول السياسية المرتكزة على المبادرات الارتجالية التي تتجاهل السبب الجذري لتهجير الشعب السوري ولانتهاك حقوقه وارتكاب الجرائم بحقه، وهو غياب البيئة الآمنة في سوريا.
لقد اثبت فشل عملية التطبيع مع النظام السوري أن بناء الحلول السياسية على تقديم تنازلاتٍ لنظامٍ سياسيٍ لا يملك القرار أو السيادة الفعلية هي حلولٌ غير واقعيةٍ أو مستدامةٍ، وسيدفع ثمنها الشعب السوري وجيرانه، بل والمنطقة بأسرها.
لقد عبَّر المهجَّرون السوريون منذ أشهر قليلةٍ عبر استبيانٍ واسعٍ أجرته الرابطة السورية لكرامة المواطن عن رفضهم للتطبيع كحلٍّ لأي من التحديات والمشاكل التي تواجههم، كما أكدوا أن التطبيع لن يغير من قرارهم بعدم العودة إلى سوريا في ظل استمرار الوضع السياسي والأمني الحاليين، ولكنهم في نفس الوقت عبروا عن إصرارهم على تحقيق شروط العودة الأمنة والطوعية والكريمة، وهي عودةٌ لا يمكن تحقيقها من خلال أنصاف الحلول أو المبادرات الضبابية.
درب مسيرة الكفاح السياسي والمدني أمام السوريين ما زالت طويلة ووعرة ولكن لا بديل عنها، ومن واجب هذا الجيل الاستمرار بها وتمهيد الطريق للأجيال القادمة، لأن الحراك الشعبي الذي انطلق في 15 اذار 2011 غيَّر واقع سوريا ومستقبلها إلى غير رجعةٍ مهما حاول البعض التبشير بعكس ذلك، فالظروف الدولية والإقليمية ستتغير ويجب أن نكون كسوريين جاهزين لاستثمارها على أفضل وجهٍ ممكن.