الكاتب: ضياء أبو زيد – كرامة SACD
يستمر النظام السوري بتنفيذ استراتيجيته للتأثير على التغيير الديموغرافي من خلال مصادرة ممتلكات المهجرين السوريين في جميع أنحاء سوريا. حيث يُظهر مثال شرق سوريا بوضوح الطبيعة المنهجية لهذه السياسة التي تتجاوز مجرد العمليات العشوائية للهيئات التنفيذية المحلية في قوات النظام. وتشكل اتفاقيات المصالحة الخاصة بمناطق المعارضة المحاصرة في جنوب ووسط سوريا مثالاً على التزام النظام بسياسة التغيير الديموغرافي المدعوم من حلفائه بشكلٍ مكثف. فمنذ عام 2016، تراجعت نسب السكان في بعض المدن المشمولة باتفاقيات المصالحة بشكلٍ مخيف، حيث تحولت الغالبية العظمى من السكان الأصليين إلى مهجرين داخل سوريا وخارجها.
منذ أن أصدر النظام السوري المرسوم رقم 66 لعام 2012 “لتحديث المناطق السكنية العشوائية وغير المرخصة” (الهدف المباشر منه كان تدمير منطقتين كبيرتين في دمشق معروفتين بمعارضتهما للنظام، الأولى خلف مستشفى الرازي في أوتستراد المزة، والثاني بالقرب من حي القدم) حيث استُخدمت القوانين والتشريعات التمييزية باستمرار لتجريد المهجرين من ممتلكاتهم في مختلف المحافظات السورية.
استخدام القانون 10 لسرقة أراضي المهجرين السوريين
الواقع الناتج صارخ بشكلٍ خاص في المناطق الشرقية، ولا سيما في مدينة دير الزور. حيث أصدر النظام السوري العديد من القوانين لتسهيل ذلك، لعل أبرزها القانون رقم10[1] الذي يهدف اسميًا إلى إنشاء مناطق تنظيمية في عموم سوريا مخصصة لإعادة الإعمار.
لا يحدد القانون معايير لتصنيف منطقة ما كمنطقة تنظيمية، أو جدول زمني لتعيين هذه المناطق. وبدلاً من ذلك، تم تعيين المناطق على أنها “مناطق تنظيمية” وفق مرسوم فقط. وفي غضون أسبوع من صدور مرسوم إعادة إعمار المنطقة، توجب على السلطات المحلية أن تطلب قائمة بملاك العقارات من الوكالات العقارية الحكومية العاملة في تلك المنطقة. كما طُلب من الوكالات تقديم القوائم في غضون 45 يومًا من تلقي طلب من السلطات المحلية.
وإذا لم يظهر العقار في المنطقة المخصصة في القائمة، فيتم إخبار المالك، ومن المفترض أن يكون أمامه 30 يومًا لتقديم إثبات الملكية. إذا لم يفعلوا ذلك، فلن يتم تعويضهم، وسيتم تخصيص الممتلكات للبلدة أو الحي أو المدينة التي يقع فيها العقار. إذا قدم المالكون دليلًا على أنهم يمتلكون عقارًا في المنطقة التنظيمية، فمن المفترض أن يحصلوا على أسهم في المنطقة.
وقد دخل القانون رقم 10 حيز التنفيذ في المنطقة الشرقية نهاية عام 2020. وفي 15 كانون الأول 2020، عقدت اللجنة الفرعية لفرع “حزب البعث” في دير الزور مزاد علني لـ “تشجيع الاستثمار” في أراضي مدينة موحسن بريف دير الزور الشرقي.
وأقيم المزاد على مساحة 3500 دونم في منطقتي نهامة والدانة وهي مناطق زراعية تعود ملكيتها لأهالي المدينة الذين كانوا يزرعون محاصيل مختلفة قبل نزوحهم من مدينتهم التي اشتهرت بمعارضتها لنظام الأسد خلال الثورة السورية. على إثر ذلك، في 30 كانون الأول 2020، أقيم مزاد علني لممتلكات أهالي المدينة الذين فروا من القصف والتدمير المتعمد للمنازل والممتلكات، خاصة المطلوبين من قبل الأجهزة الأمنية، منذ عام 2011 وحتى الآن.
منح الميليشيات الإيرانية سلطة مصادرة الأراضي
القانون رقم 10 لم يكن الأداة الوحيدة للنظام للسيطرة على ممتلكات المهجرين، مع الزيادة الملحوظة في الممارسة المباشرة للسلطة من قبل الميليشيات الإيرانية التي تهيمن الآن على المنطقة. وقد صادر ما يسمى بـ “الوقف الشيعي في دير الزور” أراضٍ زراعية في ريف دير الزور الغربي، تعود ملكيتها للمهجرين، لاستثمارها في مشاريع سياحية للإيرانيين والعراقيين في المحافظة.
استولى “الوقف الشيعي في دير الزور” على 14 هكتارًا من الأراضي الزراعية حول موقع مرقد عين علي بريف دير الزور الغربي بهدف استثمارها في مشاريع سياحية لحجاج الشيعة.
وأضافت المصادر الخاصة بالرابطة السورية لكرامة المواطن، أن هذا الاستيلاء سيتم تفعيله من قِبل عملاء مُعتمَدين من قِبل مسؤولي الحرس الثوري الإيراني في منطقتي البوكمال والميادين. حيث سيتم إنشاء فندق ومطاعم وكراج سيارات للإيرانيين القادمين للسياحة الدينية في “مرقد عين علي”[2] الذي سيقام على أراض يملكها نازحون من المنطقة.
وبموجب هذه الآلية، سيتمكن النظام السوري والميليشيات من الاستيلاء على أراضي مطلوبين من قبل نظام الأسد وأيضًا اللاجئين والنازحين الذين يعيشون الآن في مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري. يُذكرُ أنّ لجانًا من مديرية الزراعة التابعة لنظام الأسد زارت مدينتي الميادين والبوكمال خلال الشهر الماضي، للوقوف على أوضاعِ الأراضي الزراعية واتخاذ القرارات بشأنها.
تحذير مشؤوم لمستقبل سوريا
تُظهر هذه الإجراءات التي اتخذها النظام خلال العام الماضي جهدًا منهجيًا لاستخدام تكتيكات مختلفة لمنع المهجرين من العودة والعمل الجاد للاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم “بالوسائل القانونية” أو بالقوة، مع تمكين حلفائهم الإيرانيين والمليشيات في المنطقة لتعزيز نفوذها.
وقد بدأ النظام فعليًا بتاريخ 27 آب 2021 بتنفيذ خطة مسح العقارات في الريف الشرقي حيث تم تقسيم العقارات إلى فئة (أ) وفئة (ب). الفئة (أ) هي التي يتم عرضها في المزاد العلني، أما الفئة (ب) هي التي يتم مصادرتها من قِبل ميليشيات تابعة للنظام. كل هذا يتم بالتواطؤ والتعاون مع الأجهزة الأمنية حيث يتم رفع جميع الأسماء لفرع الأمن السياسي في دير الزور للتنفيذ.
ولذلك فالأدلة على الأرض توضح بشكلٍ جليّ أنّ النظام السوري ينفذ هذه السياسات بتوجيه ودعم ورعاية حلفائه مثل روسيا وإيران، الذين يُعتبرون “ضامنين” لمسار أستانا.
ما يتضّحُ أيضًا بشكلٍ متزايد من مثال شرق سوريا هو أنّ المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية المراقبة الصامتة لتنفيذ خطط النظام السوري لمنع عودة اللاجئين. ولا يوجد رد فعل مناسب على تصرفات النظام وحلفائه، مما يسمح لهم بسنّ قوانين تقيّد بشكلٍ كبير حقوق المهجرين، وتساهم في توسيع نفوذ الميليشيات الأجنبية وترسيخ وجودها على الأرض، وتسهيل مرور الوقت الذي يؤثر على المهجرين أنفسهم بحيث يزداد تكيّفهم وارتباطهم بأماكن لجوئهم الجديدة بمرور الوقت، خاصة في البلدان التي تسمح للمهجرين بممارسة حياة طبيعية في ظل دعم برامج الاندماج.
إنّ منح النظام مزيدًا من الوقت لإحكام قبضته على البلاد لن يؤدي بأي حالٍ من الأحوال إلى حالة من الاستقرار السياسي في سوريا. بل إنها مجرّد محاولة يائسة لتأخير انفجارٍ جديد.
كما تكتسب إجراءات الاستيلاء على أملاك الغائبين صفة “الأمر الواقع” بمرور الوقت. وعدم جدية المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الأزمة واستمرار هذه الإجراءات التعسفية يسمح للنظام بترسيخ سياساته وإعطائها مظهر الشرعية المحلية بعد المسرحية الهزلية للانتخابات الرئاسية الأخيرة. لكن في النهاية، ستؤدي إلى عقبات جديدة وصعبة للغاية أمام تأمين حقوق المهجرين بمجرد الوصول إلى مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، فضلاً عن زيادة تعقيد عملية العودة الآمنة والكريمة للمهجرين، مما يخلق ظروفًا لمزيد من عدم الاستقرار واستمرار الصراع.
[1] قانون رقم 10 لسنة 2018 في 2 نيسان
[2] يعد “مرقد عين علي” من أبرز المزارات الدينية والأماكن المقدسة للمليشيات الإيرانية في شرق سوريا.
صورة الغلاف: محافظ دير الزور فاضل نجار مع عناصر من الميليشيات الإيرانية في دير الزور (الانترنت)