في 18 كانون الثاني، سيناقش فريق العمل المعني بالمتابعة الدورية الشاملة التابع للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة سجل حقوق الإنسان في لبنان. هذه العملية كافية لإطلاع لجنة حقوق الإنسان على التقدم المحرز من قبل الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير السابق والرد على التقارير المقدمة من منظمات المجتمع المدني والدول الأخرى.
من بين القضايا المختلفة التي تناولها التقرير الوطني[1] للحكومة اللبنانية قضية حقوق اللاجئين السوريين في البلاد. بالإضافة إلى عرض القرارات الإدارية المختلفة التي تستند إليها الحكومة اللبنانية في سياساتها تجاه اللاجئين السوريين، فإن هذه الفقرات الثلاث تصور وجهة نظر السلطات اللبنانية فيما يتعلق بوضع اللاجئين السوريين في البلاد:
“تأمين الظروف المعيشية للاجئين السوريين
203- مع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ليصبح لبنان هو البلد الأول في العالم من حيث عدد اللاجئين مقارنة بعدد السكان، تتعاون الدولة اللبنانية باستمرار مع المانحين والمنظمات الدولية لتنفيذ خطة الاستجابة للأزمات في لبنان، وهي الآن في مرحلة /2017-2020/. تهدف هذه الخطة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة للاجئين السوريين والاحتياجات التنموية للمجتمعات المضيفة، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر هشاشةً.
204- أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي برنامجها بعنوان “توفير التعليم لجميع الأطفال”. هذه المبادرة المكونة من مرحلتين تهدف إلى تزويد اللاجئين السوريين بخدمات تعليمية مجانية دون الحاجة إلى وثائق محددة، والسماح لهم بالتقدم للحصول على شهادات المدارس المتوسطة والثانوية الرسمية على قدم المساواة مع الطلاب اللبنانيين. الضغط على الطاقة الاستيعابية للمدارس الحكومية دفع وزارة التربية والتعليم العالي إلى اعتماد التدريس بنظام الفترتين مما أدى إلى زيادة تدريجية في عدد اللاجئين السوريين الذين يستفيدون من الخدمات التعليمية لينتقل من 30 ألف في عام 2012، إلى 210 ألف في عام 2019.
205- يعرب لبنان باستمرار عن قلقه من خطر تراجع تمويل البرامج التي تديرها المنظمات الدولية لدعم الظروف المعيشية للاجئين السوريين. وتواصل الدولة اللبنانية التعاون مع المجتمع الدولي لإيجاد حلول دائمة لأزمة النزوح السوري وتسهيل العودة التدريجية للاجئين إلى مناطق آمنة في بلادهم”.
واقع اللاجئين السوريين في لبنان مختلفٌ تماماً عما تمَّ الحديث عنه في الفقرات الثلاثة المجردة أعلاه. معاملة اللاجئين السوريين في لبنان ترقى إلى مستوى إخفاقٍ منهجيٍ وجذريٍ في الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم الإنسانية الأساسية. حاولنا تلخيص القضايا الرئيسية في هذا التحليل.
تطبيع التعديات
في مساء يوم 27 كانون الأول 2020، جاءت مجموعة من اللبنانيين، من بلدة المنية الواقعة على بعد 100 كيلومتر شمال بيروت، من مخيم بحنين الذي يسكنه لاجئون سوريون، وقاموا بتقطيع الكابلات الكهربائية التي تغذي المخيم ثم شرعوا بإطلاق النار في الهواء. كما شرعوا بحرق المخيم بأكمله. وبمشهد يعلوه الرعب لاذ حوالي 300 سوري بالفرار، بينهم أكثر من 50 طفلاً، وذلك للحفاظ على حياتهم، واحترقت ممتلكاتهم البسيطة المتواضعة في النيران مع الخيام التي آوتهم منذ فرارهم من الرعب والموت في سوريا. ونتيجةً لذلك أصيب عددٌ منهم بحروقٍ، وفقدوا مساكنهم المؤقتة هذه مع جميع ممتلكاتهم في هذا الحريق.
جاء الحادث بعد شجارٍ بين عائلةٍ لبنانيةٍ وبعض اللاجئين من المخيم، لكن التصعيد الشديد والعنيف من قبل السكان المحليين والذي أحرق المخيم حتى سواه بالأرض، صدم العالم وأثار ردود فعلٍ واسعةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي بين اللبنانيين والسوريين على حدٍ سواء.
في الوقت الذي جذبت فيه الطبيعة العنيفة للحادث أنظار وسائل الإعلام العالمية، فإن حادثة المنية هذه للأسف لم تشكل مفاجأةً لأي متابعٍ لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان. ومما يثير القلق أنه بالكاد يمكن للمتابع اعتبار هذه الحالة حالةً فرديةً، أو تصرفاً استثنائياً لمجموعةٍ من السكان المحليين مدفوعين بالعنصرية تجاه اللاجئين، بل يجب وضعها في السياق العام للوضع المزري الذي يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان.
جاء إحراق مخيم “بحنين” في أعقاب أحداثٍ أخرى أوضحت تدهور وضع اللاجئين السوريين في لبنان إلى مستوياتٍ مخيفة، حيث وبعد نزع الصفة الإنسانية بشكلٍ منهجيٍ في الخطاب الإعلامي والسياسي، يمكن الآن استخدام أي مشاجرةٍ عاديةٍ ذريعةً لاستهداف السوريين كمجتمع، بل وإيقاع العقوبة الجماعية بحقهم بأقسى الطرق دون أي عواقبٍ حقيقية.
غالباً ما يستخدم السياسيون اللاجئين السوريين كورقةٍ سياسيةٍ وذلك لإلباسهم ثوب المسؤولية عن الوضع المتدهور الذي يمر به البلد، والذي يعاني فيه الجميع سواءٌ اللاجئون أو اللبنانيون. مع استمرار معاناة لبنان من أزمةٍ اقتصاديةٍ حادةٍ، تفاقمت بسبب فيروس كورونا وتداعيات الانفجار الكارثي في ميناء بيروت، غالباً ما يتم اعتبار اللاجئين السوريين كبش فداءٍ كسببٍ رئيسيٍ لعجز الحكومة عن التعامل مع الأزمة المتصاعدة. هذا الخطاب اللاإنساني الذي يستهدف اللاجئين السوريين يتجلى بشكل أوضح من خلال تصريحات مثل تصريح الرئيس اللبناني ميشيل عون الذي قارن في أكثر من مناسبة وجود اللاجئين السوريين بوباء كورونا نفسه. وربما تكون هذه اللغة هي اللغة الأكثر اعتدالاً ضمن هذا السياق الذي يعمق باستمرار تجريد اللاجئين السوريين من إنسانيتهم، بل وتصويرهم على أنهم تهديدٌ للشعب اللبناني، وهو ما يتبلور في النهاية بسياساتٍ تمييزيةٍ أو بأعمال عنفٍ حقيقيةٍ مؤلمةٍ تشهدها المنية.
أشارت الرابطة السورية لكرامة المواطن مراراً إلى الظروف الأليمة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان والتي كان آخرها بياناً انضمت إليه 30 منظمة لبنانية وسورية ودولية، ووثقت عدداً من الإجراءات التمييزية التي يواجهها اللاجئون كجزءٍ من ردة فعل الدولة اللبنانية على الوباء في تقريرٍ صدر في أيار من العام الماضي تحت عنوان “تأثير جائحة كورونا على اللاجئين السوريين في لبنان“.
وقد توقع هذا التقرير بشكل ما هذه المشاهد المؤلمة من مخيم المنية حيث حذرنا فيه من أنه “سيكون اللاجئون السوريون أحد أبرز نقاط الضغط التي ستستخدم في إطارٍ سياسيٍ وطائفيٍ واقتصاديٍ لتحميلهم جزءاً من المشكلة، وفي ظل انشغال القوات الحكومية الرسمية بمتابعة الوضع الأمني المتدهور نتيجة الاحتجاجات المتزايدة، فإن قنوات الضغط على السوريين ستزداد، وسنشهد حوادث و انتهاكات أكبر بحق السوريين في لبنان، تتعدى قضية الطرد والمضايقة والتصريح العنصري، وربما تصل إلى درجة الاعتداء المباشر ضد مخيمات اللاجئين السوريين وقد تصل لأحداث عنف واسعة النطاق الأمر الذي سيهدد آلاف الأرواح“.
التمييز في التعامل مع كورونا:
المؤشرات كانت واضحة حيث زاد التدهور في وضع اللاجئين السوريين في لبنان وخاصة مع تفشي جائحة كورونا. وتم استغلال الإجراءات المتخذة لاحتواء انتشار الفيروس في كثير من الحالات ذريعةً لاستهداف اللاجئين بشكلٍ مباشر، حيث فرضت 21 بلدية قيوداً تمييزيةً ضد اللاجئين السوريين. وتم فرض حظر على الحركة والتجمع في بعض المناطق على السوريين قبل أن يمتد ليشمل اللبنانيين، وخصصت معظم البلديات شخصاً واحداً فقط للخروج لشراء السلع لتوفير احتياجات جميع سكان المخيم.
صرحت منظمات المجتمع المدني العاملة في المجال الطبي عن انخفاض واضح في عدد المستفيدين بنسبة 80٪ بسبب القيود والحواجز المفروضة عليهم. وعملياً، أحكم عددٌ من الشخصيات المحلية ذات نفوذ قوي سيطرتها الكاملة على شؤون السوريين. العشائر ومسؤولون رسميون في الأحزاب السياسية وغيرهم من مجموعات من القوى قامت بدور المؤسسات الرسمية المكلفة بمكافحة الفيروس، مما زاد من التمييز ضد اللاجئين على أساس الطائفية والمواقف السياسية.
ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها المعنون: “لبنان: إجراءات مواجهة فيروس “كورونا” تهدد اللاجئين” أنه تم رصد عددٍ من السياسات والممارسات والتدابير التمييزية ضد اللاجئين السوريين من قبل بعض البلديات. “فرضت 18 بلدية على الأقل في سهل البقاع – حيث يعيش ثلث اللاجئين السوريين في لبنان – قيوداً إضافية غير حظر التجول الذي استهدف مجموعات اللاجئين فقط”.
وكشف ذات التقرير أن القيود الصارمة التي فرضتها هذه الإجراءات استهدفت اللاجئين على وجه التحديد مما أثار المخاوف بشأن طبيعتهم الممنهجة وليس الفردية أو العرضية، مع “فرض عددٍ من البلديات ما لا يقل عن 330 حظر تجول على السوريين اعتباراً من كانون الثاني 2020”.
جاءت هذه الإجراءات التمييزية والتي تستهدف اللاجئين السوريين وسط حالةٍ يرثى لها للغالبية العظمى من اللاجئين السوريين. حيث أن معظم السوريين اللاجئين في لبنان لا يملكون وثيقة إقامةٍ قانونيةٍ (النسبة هي 74٪ في نهاية 2018) وأقل من 1٪ فقط لديهم تصريح عمل (وأولئك الذين لديهم فقط وظائف في قطاعات الزراعة والبناء والتنظيف، وذلك بحسب وزارة العمل اللبنانية)، حيث لا يستطيع معظم اللاجئين السوريين الحصول على الإقامة بسبب ارتفاع تكلفة التصريح.
مع انتشار جائحة كورونا وتزايد التوتر في الوضع الأمني في لبنان نتيجة الأحداث الأخيرة أصبحت متابعة الوضع القانوني للاجئين أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى. حيث أن زيارة المستشفيات والمتابعة مع منظمات الإغاثة والحاجة إلى التنقل من مكان إلى آخر تجعل الحاجة إلى مثل هذه المستندات أكثر من ذي قبل. ومع ذلك فقد جعلت الأزمة إمكانية الحصول على أوراقٍ قانونيةٍ في البلاد أكثر صعوبة. يخشى معظم اللاجئين إبلاغ المؤسسات الرسمية، بما في ذلك المستشفيات، خوفاً من الاعتقال أو الترحيل. هذا على الرغم من أن الحكومة اللبنانية أصدرت قراراً بوقف ترحيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة، إلا أن المرسوم عملياً لم يُنفذ، حيث تم طرد عدة عائلاتٍ سوريةٍ نتيجة ذهابها إلى الصيدليات لشراء أدوية بسيطة مثل مسكنات الآلام.
وبحسب دراسةٍ أجراها مركز الوصول لحقوق الإنسان، فقد تعرضت تسعة مخيماتٍ على الأقل في مدنٍ مختلفةٍ في منطقة البقاع لمداهمات من قبل أجهزةٍ أمنيةٍ مختلفةٍ بشكلٍ شبه يومي دون أي مبررٍ قانوني، حيث يتم البحث في أوراق تسجيل سكان المخيمات لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وأوراق الإقامة القانونية.
سهام، وهي نازحة من ريف دمشق قالت: “نحن مقيدون بشدة من قبل بعض السكان المحليين القريبين من مخيمنا. لقد منعونا من مغادرة المخيم لشراء حتى الأشياء الأساسية. إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فلن يكون لدينا خيارٌ سوى العودة إلى سوريا رغم ما نعرفه عن الوضع في سوريا”. سامية، وهي من ريف درعا وتعيش الآن في عرسال تقول: “نخشى التنقل أو مراجعة المستشفيات، ولا نعرف ما سيحدث. أخشى على أطفالي وليس هناك ما يمكنني فعله، يتملكني شعور بالعجز”.
لا يمكن لشيءٍ أن يعبر بشكلٍ وافٍ عن اليأس الذي يعاني منه اللاجئون السوريون في لبنان بسبب الضغط المتزايد وتجريدهم من الإنسانية أكثر من زيادة حالات التضحية بالنفس والانتحار. وسجلت آخر حالة من هذا النوع في تشرين الثاني 2020 عندما أضرم أحد السوريين اللاجئين النار في نفسه أمام مكتب المفوضية في منطقة بئر حسن في بيروت، والسبب هو عدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج لابنته المريضة.
الخطر واسع النطاق للإعادة القسرية
في 19 تشرين الثاني 2020، قضت محكمة العدل الأوروبية (ECJ) بأن رفض أداء الخدمة العسكرية في سوريا يمنح السوري الحق في الاعتراف به كلاجئ. جاء هذا القرار على أساس أن من يرفضون أداء الخدمة العسكرية في ظل النظام السوري الحالي قد يُنظر إليهم على أنهم معارضون للنظام، وبالتالي قد يواجهون الخوف من الاضطهاد عند عودتهم. ومع ذلك هناك زيادة مقلقة في حوادث تسليم الأمن العام اللبناني لنظرائهم السوريين الذين انشقوا عن جيش الأسد وفروا إلى لبنان، بما في ذلك آخر قضية وهي قضية “حسين جمعة” الذي اعتقل، طبقاً لتقارير عدة، في كانون الثاني 2021 في بعلبك وتم تسليمه إلى قوات أمن الأسد. وبحسب صحيفة “المدن” فإن السلطات اللبنانية قامت بمثل هذه التصرفات من قبل على الرغم من علمها بأوضاع الرجال وإبلاغ عائلاتهم بأن عودتهم لسوريا تعرضهم لخطر كبير. وقال مدير “مركز الوصول لحقوق الانسان” محمد حسن لصحيفة “المدن”: “نحن قلقون للغاية من عمليات الترحيل القسري التي تقوم بها بعض الاجهزة الامنية حيث علمنا من مصادر خاصة أن عمليات التسليم تتم عبر السفارة السورية في بيروت“. وخصوصاً في حال كان هذا التسليم للاجئين سوريين معارضين للنظام“. نفت السلطات اللبنانية تسليمها لمنشقين عسكريين، لكنها أصرت على أن جميع السوريين الذين يدخلون لبنان بطرق غير مشروعة ستتم إعادتهم إلى سوريا بموجب قرار مجلس الدفاع الأعلى في نيسان 2019 والذي يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب وصنوف المعاملة القاسية واللاإنسانية أو العقوبة المهينة في المادة /3/ والتي تنص على:
“1. لا يجوز لأي دولة أو طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى إذا كانت هناك أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”.
وفقاً لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، والتي تقوم بمبدئها الأساسي على عدم الإعادة القسرية، “لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يواجه فيه تهديدات خطيرة لحياته أو لحريته“. ولبنان يخرق كل هذه المواثيق.
إن الإجراءات التمييزية ونزع الصفة الإنسانية ورفض السماح بوضعٍ قانونيٍ من شأنه أن يمكّن اللاجئين السوريين من التمتع بأي نوعٍ من العيش الكريم في لبنان هو جزءٌ من جهدٍ منسقٍ للضغط على اللاجئين السوريين للعودة غير الآمنة إلى سوريا. في 15 تموز 2020 تم استصدار قرارٍ بشأن عودة اللاجئين السوريين في لبنان تحت عنوان “السياسة العامة لعودة النازحين” والتي تهدف إلى الإسراع بعودة جميع اللاجئين السوريين من لبنان بغض النظر عن أي عمليةٍ سياسيةٍ. وجاءت هذه الورقة نتيجة مشاوراتٍ ومناقشاتٍ داخل الحكومة اللبنانية، والخطير أن هذه الورقة تضع اللاجئين السوريين في موقف يواجهون فيه خياراً بين العودة إلى مناطق سيطرة النظام التي فروا منها في المقام الأول، أو محاولة الفرار لدولةٍ ثالثةٍ.
ينظر إلى هذه الورقة من قبل معظم المنظمات الحقوقية على أنها دليلٌ واضحٌ على تجاوز الحكومة اللبنانية لجميع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين والاتفاقيات التي تحكم حتى الآن تقديم المساعدة للاجئين السوريين على وجه التحديد. ووفقاً لهذه السياسة، تعتبر الحكومة اللبنانية أن “الوضع الأمني في سوريا قد تحسَّن، حيث باتت معظم الأراضي السورية آمنة”، وهو ما تكرر في ما أطلق عليه “مؤتمر العودة” الأخير الذي نظمته روسيا في دمشق والذي قاطعه الاتحاد الأوروبي. ومعظم البلدان الأخرى. هذا التقييم للوضع الأمني في سوريا غير دقيق أبداً بل ويؤدي إلى خطة عودةٍ لللاجئين السوريين تنتهك المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحمي اللاجئين من العودة القسرية وتجرم أي محاولات لإجبار اللاجئين على العودة إلى البلد الذي فروا منه خلال فترة وجود المجرم في سدة الحكم. والأهم من ذلك أن هذه السياسة بالإضافة إلى كونها تشكل تهديداً حقيقياً لحياة اللاجئين إذا أجبروا على العودة فإنها تساهم في تشجيع وصعود الخطاب المعادي للاجئين، والذي يصاحبه زيادة في الهجمات مثل الهجوم الذي وقع في مخيم “المنية”.
كل ما ذكر أعلاه يشير بوضوح إلى سياسةٍ ممنهجةٍ وإجراءاتٍ مستمرةٍ تؤدي حتماً إلى نزع الصفة الإنسانية عن المجموعة المستهدفة – وهم اللاجئون في حالتنا هذه – وجعلهم مستهدفين وحقوقهم مستباحة دون القلق من العواقب أو الوعي بالانتهاكات التي تتجاهل معظم حقوق الإنسان الأساسية.
تزامناً مع مناقشة سجل لبنان في مجال حقوق الإنسان في 18 كانون الثاني في لجنة حقوق الإنسان، يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على توضيح الصورة للحكومة اللبنانية أنه يجب عليها اتخاذ خطواتٍ عمليةٍ وجوهريةٍ لمعالجة الوضع المزري لحقوق الإنسان للاجئين السوريين في لبنان. يجب إيقاف السياسات الخطيرة والتدابير التمييزية وجعلها تتماشى مع الالتزامات الدولية واللبنانية والقوانين الدولية التي تنظم حقوق اللاجئين. يجب على الحكومة أن تعمل على وقف تجريد اللاجئين السوريين من إنسانيتهم في الخطاب السياسي والتوجه العام، ومقاضاة حوادث العنف التي تستهدف اللاجئين السوريين، وسنِّ مجموعةٍ من الإجراءات الرادعة التي ستحدُّ من تجريد اللاجئين السوريين من إنسانيتهم والاعتداء على كرامتهم.
يجب على المجتمع الدولي ولجان الأمم المتحدة إدراك خطورة الوضع الذي يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان وإثبات التزامهم بمبادئ حماية اللاجئين. يجب أن تكون أي مساعدة يتم التعهد بها للبنان مشروطةً بالاحترام الكامل للقانون الدولي وحقوق اللاجئين الخاضعين لسلطة الحكومة اللبنانية، وأن تقوم الحكومة بدورها في بناء السلم الأهلي والحفاظ على كرامة النازحين حتى تتوافر لهم شروط عودة آمنة وطوعية وكريمة تحت إشرافٍ دوليٍ حقيقي.
- صورة الغلاف: صورة لمخيم المنية للاجئين السوريين في لبنان بعد احتراقه. [ابراهيم الشلهوب AFP]
[1] National report submitted in accordance with paragraph 15 (a) of the annex to Human Rights Council resolution 5/1, Lebanese