يشتمل التقرير الجديد للرابطة السورية لكرامة المواطن بأبحاثه الأساسية على جهد غير مسبوق لجمع الشهادات من الأشخاص الذين عادوا إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد (في الغالب بسبب الظروف المعيشية الصعبة في مناطق النزوح أو لأنهم صدقوا وعود النظام بالعودة الآمنة) وأولئك الذين بقوا في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً بعد أن استعادتها قوات النظام بموجب ما يسمى باتفاقات المصالحة. يوثق التقرير الوضع الأمني ​​للعائدين ومن يعيشون في المناطق المشمولة بما يعرف بـ “اتفاقيات المصالحة”، بالإضافة إلى حصولهم على الخدمات الأساسية، والأوضاع المعيشية العامة في مناطق سيطرة الأسد، وآراء النازحين سابقاً حول عملية العودة. والقضايا الأخرى ذات الصلة.

التقرير له قيمة فريدة حيث لا توجد منظمة دولية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لديها وصول حقيقي غير خاضع للرقابة إلى جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد. إن جمع المعلومات عن الوضع الأمني ​​والتهديدات التي تواجه العائدين وظروف المعيشة العامة في هذه المناطق بطريقة منهجية أمر شبه مستحيل. حيث عملت وحدة جمع البيانات وتحليلها في الرابطة السورية لكرامة المواطن (SACD)، وهي تيار شعبي يناضل من أجل حقوق النازحين واللاجئين السوريين في ظروف صعبة للغاية، على مقابلة 165 شخصاً في حمص وريف دمشق ودرعا وحلب للحصول على صورة صحيحة وموثوقة وشاملة للوضع الذي يواجه العائدين في مناطق سيطرة الأسد في سوريا.

النتائج الرئيسية:

الخلاصة النهائية لهذا البحث هو أنه ليس من الآمن عودة النازحين السوريين إلى مناطق سيطرة الأسد. حيث يعيش العائدون ومعظم الأشخاص في المناطق التي يسيطر عليها النظام في خوف ويشعرون بالضعف الشديد وعدم الأمان. يستمر ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق وبشكل ممنهج لحقوق الإنسان ضد السوريين في هذه المناطق من قبل النظام وأجهزته الأمنية والميليشيات والقوات الأجنبية. الاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري والابتزاز وغياب الخدمات الأساسية هي العوامل الرئيسية وراء هذا الخوف ورغبة العائدين في مغادرة منازلهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل دائم. أفاد ما يقرب من 60 % من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم (و73 % ممن يعيشون في المناطق التي استولى عليها النظام بالقوة) أنهم سيفكرون بجدية في المغادرة إذا سنحت لهم الفرصة. وأكد العائدون بأغلبية ساحقة أنهم نادمون على قرارهم بالعودة، بغض النظر عن المشقة التي واجهوها أثناء النزوح، حيث يبحث 63 % بشكل حثيث عن وسيلة للهروب مرة أخرى.

هناك عدة عوامل تدفع الناس إلى موجة نزوح أخرى بين الذين عادوا أو قرروا البقاء في ظل “اتفاقيات المصالحة”.

أكثر أنماط الانتهاكات تدميراً هو الاعتقالات العشوائية والتعسفية والاحتجاز من قبل الأجهزة الأمنية دون تهمة. أكثر من ربع الذين تمت مقابلتهم احتجزوا بأنفسهم أو تعرض أحد أفراد أسرهم للاعتقال التعسفي من قبل الأجهزة الأمنية. ومن بين هؤلاء تم اعتقال 75 % خلال السنتين الماضيتين. واضطر أكثر من 70 % من المعتقلين إلى دفع رشوة لإطلاق سراحهم. الضرب والتعذيب والإذلال من الممارسات الشائعة في الاحتجاز. نُقل العديد من أقارب الذين تمت مقابلتهم إلى أماكن مجهولة وبعد ذلك لم يسمع أي خبر عنهم مرة أخرى.

حوالي 68 % من الذين تمت مقابلتهم هم أنفسهم أو أحد أقاربهم مطلوب أمنياً للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية أو جيش الأسد. التجنيد الإجباري منتشر بقوة في مناطق سيطرة قوات الأسد، لا سيما في المناطق المندمجة بموجب “اتفاقيات المصالحة” ، حيث كان ما يصل إلى 75 في المائة من الذين تمت مقابلتهم أو أفراد عائلاتهم مطلوبين للتجنيد. حيث يتم إرسال المقاتلين المجندين بشكل شبه حتمي إلى أخطر الجبهات؛ قُتل الكثير وخاصة الشباب إما في القتال أو في ظروف غامضة. يتم إجبار العديد من المطلوبين من قبل الأفرع الأمنية لكونهم “مناهضين للأسد” على الالتحاق بالجيش وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية مباشرة بعد الاعتقال ولا يتم رؤيتهم مرة أخرى.

ذكر ثلثا الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أنهم يعيشون في خوف دائم من الاعتقال أو المضايقة من قبل الأجهزة الأمنية والميليشيات المختلفة التي تدير شبكة ضخمة من نقاط التفتيش – لا سيما تلك الموجودة في المناطق المشمولة بـ “اتفاقيات المصالحة”. يتم توقيف الأشخاص بشكل تعسفي ومضايقتهم وتهديدهم واعتقالهم من قبل هذه الميليشيات لابتزاز الأموال منهم أو من عائلاتهم. تعتمد الميليشيات على شبكة من المخبرين والجواسيس لتحديد العائدين وأولئك الذين قبلوا “اتفاقيات المصالحة” ليكونوا أهدافاً للابتزاز.

يتغلغل الفساد والابتزاز من قبل النظام والميليشيات المساندة له في كل جوانب حياة العائدين. حيث أفاد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أنهم اضطروا إلى دفع رشاوى للقيام حتى بأبسط المعاملات والنشاطات، مثل الحصول على المستندات أو نقل المنتجات إلى السوق. لقد توقفت جميع الأنشطة الصناعية وغيرها من الأنشطة الاقتصادية تقريباً في هذه المناطق، لذلك غالباً ما تكون الزراعة هي المصدر الوحيد للدخل. يستغل النظام هذا الوضع من خلال فرض حظر على نقل البضائع والمنتجات خارج المناطق المحلية بموجب “اتفاقيات المصالحة”، والتي تجبر العائدين على بيع منتجاتهم للمحتكرين الموالين للنظام. فقد ثلثا العائدين مصدر دخلهم السابق وهم الآن عاطلون عن العمل أو يعملون في أعمال يدوية مؤقتة لا يمكن أن توفر مستوىً معيشياً أساسياً لأسرهم.

يعتبر معظم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من المناطق التي تغطيها “قوانين التنمية الحضرية” أنهم متأثرون بالقوانين والقرارات التمييزية التي تحكم المناطق المدمرة. يُحرمون بشكل منهجي من حقهم في ممتلكاتهم بطريقة انتقامية علنية، خاصة في المناطق التي يسيطر فيها النظام بالقوة. يتأثر العائدون إلى هذه المناطق بشكل خاص، حيث يعلم مسؤولو النظام أن أحد الأسباب الرئيسية لعودتهم هو توثيق ممتلكاتهم رسمياً لضمان عدم ضياعها.

ثم ماذا بعد؟

يوضح هذا التقرير الحاجة إلى صانعي القرار في البلدان المضيفة وعلى المستوى الدولي لإعادة النظر في مواقفهم وسياساتهم فيما يتعلق باللاجئين السوريين الذين يُجبرون بشكل متزايد على العودة إلى العيش في حالة من انعدام الأمن والخوف المستمر. من شبه المؤكد أن إرسال النازحين إلى مناطق سيطرة الأسد يعرضهم لمزيد من الاضطهاد والمضايقات. بناءً على بحثنا والتجارب اليومية التي يعيشها شعبنا فإن الرابطة السورية لكرامة المواطن ترى أنه يجب اتخاذ وضمان الخطوات التالية:

يجب أن يتضمن أي حل سياسي لإنهاء الصراع وتحقيق سلام دائم ومستقر في سوريا والمنطقة آليات لحماية حقوق النازحين واللاجئين السوريين. يجب تضمين أصوات المهجرين السوريين في صياغة الدستور وجميع مسارات العمل ضمن عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة. يجب على المجتمع الدولي (بما في ذلك الدول الأوروبية والدول المجاورة والجهات الإنسانية) زيادة وتكييف جهوده لحماية النازحين واللاجئين السوريين من العودة القسرية أو الضغط المتزايد للعودة حتى يتم ضمان ظروف عودتهم الطوعية والآمنة والكريمة.

يجب على المجتمع الدولي معالجة الأزمة التي نتجت عن رفض النظام السوري السماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول غير المقيد لمراقبة ظروف العودة. يجب أن تنظر المفوضية في إنشاء آلية دولية قوية لضمان ومراقبة ظروف العودة داخل سوريا تحمي حقوق النازحين وتعطي الأولوية لمخاوف الحماية.

نظراً لارتفاع حالات الاعتقال والمضايقة والتمييز والتجنيد الإجباري وانتهاكات حقوق ملكية الأراضي والممتلكات المبلغ عنها يجب على المجتمع الدولي أن يوقف مناقشة العودة أو التحضير للعودة حتى يتم وضع آلية مراقبة فعالة. كما يجب أن توفر الطمأنينة بأن العودة الميسرة أو المدعومة دولياً لن تحدث حتى يتم تلبية شروط العودة الطوعية والآمنة والكريمة والتحقق منها بشكل مستقل عبر الآلية الدولية.

يجب توفير معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب حول الظروف الأمنية وظروف العودة في كل من البلدات والمدن السورية على وجه السرعة للنازحين السوريين. إلى حين توفر هذه المعلومات لا يمكن اعتبار أي عودة آمنة أو طوعية.

تحدث العديد من انتهاكات الإسكان والأرض والملكية، بما في ذلك منع الوصول إلى الممتلكات وتنفيذ قوانين التخطيط التمييزية بين المواطنين. يجب تضمين مخاوف الإسكان والأرض والملكية وآليات حل أزمة السكن والأرض والملكية في سوريا في العملية السياسية. يجب على الجهات والمنظمات الإنسانية والإنمائية العاملة داخل سوريا بتمويل دولي ألا تقوم بأي عمل يديم أو يعزز هذه المخاوف بل ويجب أن تعطي الأولوية للعمل بشكل فعال لحماية حقوق الملكية للنازحين. يجب توفير المعلومات في الوقت المناسب حول قضايا الإسكان والأرض والملكية للنازحين واللاجئين في سوريا.

يجب متابعة العمل على معالجة التأثير السلبي للتجنيد الإجباري وإيجاد حل عملي، وكذلك إنهاء تجاوزات قطاع الأمن على كل مناحي الحياة والمضايقات للمواطنين بناء على مواقفهم السياسية، وذلك من خلال المؤتمرات والعمليات السياسية بما في ذلك عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، وأستانا، ومجموعة الاتفاقات الأصغر حتى.

توفر البيانات التي تم جمعها في هذا التقرير أدلة تجريبية ميدانية لدعم موقف طويل الأمد للرابطة السورية لكرامة المواطن: إن عودة النازحين السوريين مستحيلة دون حل سياسي شامل يضمن حقوق العائدين، بما في ذلك حقوقهم في عدم التعرض للاضطهاد والتمييز والمضايقة، وحقهم في السلامة والكرامة، وحقوقهم في ممتلكاتهم وحمايتهم بموجب القانون، وأن تكون الحريات مكفولة لهم كمواطنين بل وكبشر ابتداءً. يمنح هذا التقرير صانعي القرار الدوليين والإقليميين الذين يعملون على مساعدة النازحين السوريين نظرة ثاقبة فريدة من نوعها حول العواقب الحقيقية للسياسات الخاطئة، لا سيما تلك التي تتعلق بالنظام السوري وسياسة الإعادة القسرية الروسية. تعزز نتائج التقرير الحاجة إلى حماية حقوق وكرامة اللاجئين السوريين، وتوفير ظروف معيشية مناسبة في أماكن نزوحهم لحمايتهم من العودة القسرية، ولضمان حريتهم وكرامتهم كشرط أساسي لأي حل سياسي، ولأي أمل باستقرار حقيقي في سوريا والمنطقة عموماً.