زعمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما لا يقل عن 1.4 مليون من النازحين السوريين قد عادوا العام الماضي، مستخدمة ذلك لتدعيم الرواية القائلة بأن سوريا أصبحت آمنة وأن الظروف داخل البلاد الآن مناسبة للعودة الطوعية للاجئين والنازحين إلى مناطقهم. ليس من الواضح ما هو دافع المفوضية للترويج لهذه الرواية، وأفضل ما يدحض هذه المزاعم على الطرف الآخر هو رفض النازحين في مخيم الركبان العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد على الرغم من الظروف الرهيبة التي يعيشونها.
المنشورات الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر كبار مسؤولي المفوضية وهم يسيرون بين أنقاض مدينة حمص ومدن سورية أخرى من المفترض أن توضح كيف أن الظروف لا تزال قاسية ولم تتحسن، هذه المزاعم تعتبر مضللة وخطيرة للغاية بالنسبة للنازحين السوريين الذين من المحتمل أن يواجهوا التجنيد الإجباري في ميليشيات الأسد، بل وفي بعض الحالات الاختفاء القسري إذا حاولوا العودة إلى ديارهم.
حتى بعد احتجاجات المنظمات الإنسانية الأخرى واعتراف رئيس المفوضية شخصياً “فيليبو غراندي” علانية بأن المفوضية لا تستطيع الوصول إلى جميع مناطق البلاد لضمان سلامة العائدين، لم تتغير رواية الوكالة.
أحد الركائز الأساسية التي تدفع المفوضية للتشجيع على العودة إلى سوريا بأمان هو رقم العائدين والذي يقدمونه والبالغ 1.4 مليون شخص يُفترض بزعمهم أنهم عادوا إلى ديارهم داخل البلاد في عام 2018. ومع ذلك، لا يقدم هذا الرقم صورة واضحة للوضع الفعلي الذي هو أكثر تعقيداً مما يوحي به هذا الرقم. لا يأخذ عدد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الاعتبار مستويات النزوح المستمرة في سوريا، والمشاكل الناشئة عن حملة النظام المستمرة لاستهداف السكان المدنيين في سوريا، والظروف الأمنية المقلقة داخل البلاد.
خلال العام 2018 – وهي نفس الفترة التي تدعي فيها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما لا يقل عن 1.4 مليون شخص قد عادوا – ظل النزوح الجديد داخل البلاد ثابتاً. لا يزال الناس في جميع أنحاء البلاد مجبرين على مغادرة منازلهم بسبب انعدام الأمن وبسبب الاضطهاد المستمر من قبل نظام الأسد، فضلاً عن انهيار الاقتصاد وما نتج عنه من نقص كبير في فرص العمل. اعتباراً من أغسطس 2018، كان لا يزال هناك 6.1 مليون نازح داخلياً في سوريا أي بمتوسط 6550 شخصاً ينزحون يومياً. فعلى سبيل المثال، في حين عاد 119.698 نازحاً إلى مناطقهم الأصلية في ديسمبر 2018، كان هناك أيضاً 58.549 حالة نزوح جديدة داخلياً خلال نفس الشهر. يبدو أن المفوضية تتجاهل بيانات وكالة الأمم المتحدة الشقيقة لها والمختصة بهذا المجال “مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA”.
ظل النزوح داخل سوريا في عام 2018 ثابتاً على مدار العام، وبالإضافة إلى ذلك بالنسبة لغالبية المناطق لم يحدث أي تغيير. فعلى سبيل المثال، بين نيسان وحزيران 2018، غادر ما لا يقل عن 61800 شخص ريف دمشق وانتقلوا إلى محافظات حماة وإدلب وحلب. وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، عاد 6700 فقط إلى مناطقهم الأصلية في المناطق التي أدت إلى هذا النزوح خلال نفس الفترة. وهذا يشير إلى أن الأوضاع في ريف دمشق رغم انتهاء العمليات العسكرية ليست آمنة بما يكفي لعودة السوريين إليها. وردت أنباء عديدة عن توقيف واحتجاز من عادوا من تلقاء أنفسهم إلى ريف دمشق بعد صفقات الإخلاء و “المصالحة” بموجب “ضمانات” روسية.
بينما يمكن للمفوضية تتبع عدد الأشخاص العائدين إلى البلاد، فإنها لا تستطيع مراقبة ما يحدث لهم بمجرد وصولهم. نُشرت تقارير عديدة عن عمليات توقيف واحتجاز وتعذيب وفي بعض الحالات وفاة أشخاص عائدين إلى سوريا. وبينما يمكن للمفوضية أن تبلغ عن أعداد العائدين فإنها لا تستطيع تأكيد سلامتهم ولا سلامة الأشخاص الذين بقوا في منازلهم بموجب ما يسمى باتفاقات “المصالحة”. هذا يثير تساؤلاً عما تخبرنا به هذه الأرقام “للعائدين”. إذا تم التلويح بعدد 1.4 مليون شخص ألا يجب أن تعرف كم منهم تم تجنيدهم قسراً وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية، وكم عدد الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم، وكم عدد الذين قتلوا عند عودتهم؟
أخيراً، من المهم ملاحظة أنه في حين أنه من السهل الحصول على بيانات حول الأشخاص العائدين إلى البلاد، فمن شبه المستحيل تتبع عدد الأشخاص الذين يتم تهريبهم بشكل مستمر إلى خارج البلاد عبر الحدود اللبنانية والتركية، حيث إن الحدود مغلقة رسمياً ولا يمكن تتبع أي معلومات حول حركة الأشخاص عبر هذه الحدود. إذا أخذت وسائل التواصل الاجتماعي السورية التي تركز على الهجرة على أنها توضح المشكلة فإن الغالبية العظمى من التقارير لا تزال تركز على المعلومات المتعلقة بكيفية الخروج والهجرة من البلاد بدلاً من كيفية العودة إليها، مما يؤكد وبالنسبة لغالبية السوريين أن سوريا ليست بعد مكاناً أمناً للعيش، بل إنهم يبحثون عن طرق للهروب منه.