إعداد المحامي: محمد سويد

في الحادي عشر من تموز 2021 ينتهي العمل بقرار مجلس الأمن رقم 2533، والذي ينص على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا من الحدود السورية التركية من معبر باب الهوى قبالة محافظة إدلب، وذلك وسط حالة من الترقب والقلق يعيشها السوريون في المناطق المحررة من عدم تمكن مجلس الأمن من تمديد العمل بهذا القرار بسبب الفيتو الروسي المتوقع.

بداية العمل بآلية المساعدة الإنسانية عبر المعابر إلى سوريا

في عام 2014 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2156، الذي منح الإذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها لاستخدام أربع معابر حدودية في سوريا وهي باب السلام وباب الهوى مع تركيا، والرمثا مع الأردن، واليعربية مع العراق، وذلك بهدف إيصال المساعدات الإنسانية دون إذن من النظام السوري. مدد هذا القرار عدة مرات، كانت المرة الأولى عام 2014 بالقرار رقم 2191، ثم مرة ثانية عام 2015 بالقرار رقم 2258، وثالثة عام 2016 بالقرار رقم 2332، ورابعة عام 2017 بالقرار رقم 2393، وخامسة عام 2018 بالقرار رقم 2449 وهذا القرار ظل نافذاً حتى العاشر من كانون الثاني من عام 2020 ، لتتغير بعدها آلية التمديد بشكل جذري ، حيث اعتمد مجلس الأمن في الحادي عشر من كانون الثاني 2020 القرار رقم 2504 الذي قضى بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، لكن هذه المرة عبر معبرين فقط، ومن خلال الحدود مع تركيا وهما “باب الهوى” و”باب السلام” ولمدة ستة أشهر فقط، حيث تم إغلاق معبري “اليعربية” في العراق و”الرمثا” في الأردن.

وأخيرا في تموز 2020 وبعد أربع محاولات فاشلة كانت روسيا تقف وراءها، صوت مجلس الأمن، على تبني مشروع قرار ألماني-بلجيكي جدد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر معبر باب الهوى فقط ولمدة عام واحد.

حيث من المتوقع أن تعود روسيا إلى محاولتها في تعطيل وصول المساعدات، ما يعني هذا المرة إلغاء وصولها عبر معبر “باب الهوى”، إذ تبحث روسيا عن قرار أممي يقضي بإيصال المساعدات عبر نظام الأسد

روسيا التي استخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن 16 مرة منذ عام 2011 لحماية النظام السوري، ثلاثة منها لمنع إدخال المساعدات الأممية.

تحذيرات أممية ودولية

يعتبر معبر باب الهوى الشريان الوحيد لحياة السوريين، والذي تدخل عبره المساعدات الإنسانية لملايين السوريين، وتخوفات وتحذيرات أممية ودولية من عدم إمكانية تمديد آلية العمل بإدخال المساعدات بسبب الفيتو الروسي المتوقع في مجلس الأمن، حيث أعرب إستيفان دوجاريك المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر المنظمة الدولية في نيويورك “ما زلنا قلقين جداً بشأن تدهور الوضع الإنساني لـ 13.4 مليون شخص محتاج في جميع أنحاء سوريا”.

وأكد المتحدث الرسمي أن “الوصول الوحيد للأمم المتحدة إلى هؤلاء الملايين من الناس هو من خلال العملية العابرة للحدود المصرح بها من قبل مجلس الأمن؛ حيث يعتبر معبر باب الهوى هو آخر نقطة دخول للأمم المتحدة لنقل المساعدات إلى شمال غربي سوريا”.

وأوضح أن “المساعدات التي يرسلها فريق الأمم المتحدة من تركيا عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا تصل إلى 2.4 مليون سوري على أساس شهري، وذلك من خلال عبور نحو 1000 شاحنة مساعدات شهرياً، وفي مايو/أيار الماضي وحده عبرت 979 شاحنة”.

بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال خطاب تناول فيه الوضع المأساوي في سوريا بعد عشر سنوات من الصراع إنّ “الفشل في تمديد تصريح الأمم المتحدة سينهي خطط الأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 لملايين السكان في شمال غرب سوريا ويقلل إلى حد كبير من العمليات الإنسانية الأساسية”.

وقال مارك كتس، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية المعني بالملف السوري، إن الأمم المتحدة تتخوف من كارثة كبيرة إذا لم يتم تمديد العمل بقرار مجلس الأمن، مشيراً إلى أن السوريين سيعانون بحق إذا حصل هذا الأمر.

كما أعرب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، عن أمله في رفع مجلس الأمن الدولي عدد بوابات إيصال المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري حيث قال “للأسف لدينا بوابة واحدة مفتوحة من أصل 4، لإيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا، وأتمنى أن يرفع مجلس الأمن الدولي عدد هذه البوابات في أقرب فرصة ”

كما طالب برنامج الأغذية العالمي (WFP) بتقديم 600 مليون دولار، لتقديم مساعدات غذائية عاجلة لملايين السوريين الذين يواجهون اليوم أسوأ الظروف الإنسانية بسبب 10 سنوات من الصراع.

في حين قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إن إغلاق معبر حدودي تمر عبره مساعدات إنسانية إلى سوريا يمكن أن يتسبب في “قسوة لا معنى لها” لملايين السوريين.

تصريحات السفيرة غرينفيلد جاءت عقب زيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى تركيا، شملت زيارة معبر باب الهوى الحدودي، وأضافت “لولا معبر باب الهوى الحدودي الذي تدخل منه المساعدات لمات السوريون”. وأضافت: “على مدى عام ونصف استطاع بعض أعضاء مجلس الأمن بشكل مخجل إغلاق معبرين آخرين إلى سوريا”.

كما طالب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بفتح 3 معابر حدودية من أجل إيصال المساعدات إلى سورية، بموجب قرار مجلس الأمن “2165”، وذلك خلال جلسة لمجلس الأمن في مارس/ آذار الماضي.

ابتزاز سياسي

متذرعة بانتهاك السيادة السورية، وفي محاولة لإنعاش اقتصاد النظام السوري تحاول روسيا استخدام ورقة المعابر الخارجة عن سيطرة النظام لتعزيز موقفه السياسي، وخاصة بعد مسرحية الانتخابات التي أجراها النظام مؤخرا. وذلك من خلال تلويحها باستخدام حقها بالنقض في مجلس الأمن للضغط على المجتمع الدولي لتمرير أجندتها الخاصة ، و تحقيق ما عجزت عنه بالميدان بتحقيقه في مجلس الأمن ، وذلك بإعادة تدوير النظام السوري، و هذا ما أكدته رسالة أرسلها أربعة نواب في لجنة العلاقات الخارجية، التابعة لمجلسي النواب والشيوخ، إلى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، اعتبروا فيها ” أن روسيا تهدف من ذلك إلى تشجيع المجتمع الدولي على إعادة تأهيل الأسد، وفتح باب أمام تمويل إعادة الإعمار الذي من شأنه أن يرسخ نظام الأسد في السلطة ويزيد معاناة السوريين ”

وجاء فيها أيضا أنه: “يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركاء لهم نفس الرأي، للضغط بشكل جماعي على روسيا والصين حتى لا تستخدما حق النقض لإنهاء قرار تسليم المساعدات العابرة للحدود”.

و تهدف روسيا أيضا من حصر إدخال المساعدات عن طريق المعابر التي يسيطر عليها النظام ، ومنعها من المعابر الخارجة عن سيطرته هي إفادة النظام من تلك المساعدات الإنسانية في دعم آلته العسكرية ، حيث أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير لها ” بأنه منذ بدء النزاع في سوريا، طورت حكومة نظام الأسد سياسة وهيكلية قانونية تسمح لها بتحويل المساعدات الإنسانية لتمويل ما ترتكبه من وحشية وفظائع، ولمعاقبة من تعتبرهم معارضين لها، ولمكافأة المؤيدين بتلك المساعدات، فقد قامت تلك الحكومة بتقييد وصول المنظمات الإغاثية للمجتمعات المحتاجة، وأعطت موافقات انتقائية على مشاريع إغاثية، وفرضت شروطاً عليها لتشارك فاعلين محليين مرتبطين بالأفرع الأمنية التي تقوم بارتكاب انتهاكات.”

تداعيات إنسانية كارثية

سيؤدي رفض تمديد آلية إدخال المساعدات إلى الشمال السوري إلى انعكاسات إنسانية خطيرة، وعلى كافة المستويات. حيث سيحرم 2.3 مليون نسمة من المياه النظيفة أو المياه الصالحة للشرب، وأكثر من 1.8 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، إضافة إلى انقطاع دعم مادة الخبز في مئات المخيمات، وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي. بالإضافة لازدياد حالات سوء التغذية الحاد عند الأطفال والأمهات بشكل أكبر عن النسب السابقة، وانعدام الخدمات الطبية الأساسية في المشافي والنقاط الطبية بالمنطقة، وخاصة مع الاستهداف المتكرر للمنشآت الطبية في المنطقة.

وأما من نتائج الإغلاق الاقتصادية، فارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية بنسب متفاوتة أبرزها المواد الغذائية بنسبة 300%، والمواد غير الغذائية بنسبة 200%.، وازدياد أعداد القاطنين في المخيمات، نتيجة لجوء الآلاف من المدنيين إلى الاستقرار فيها وعجزهم الكامل عن التوفيق بين المأوى والغذاء، وازدياد معاناة سكان المخيمات التي ترعاها المنظمات الإنسانية، بسبب العجز عن تقديم المساعدات للنازحين.

ملايين السوريين ستكون حياتهم مهددة بالخطر بسبب البلطجة الروسية العسكرية والسياسية، في خرق واضح لأحكام القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين لعام 1949، بالإضافة للبرتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977، الأمر الذي ينطبق عليه تعريف الإبادة كجريمة ضد الإنسانية حسب النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي تنص على الجرائم ضد الإنسانية في مادتها السابعة ومنها الإبادة التي تعرفها بأنها ” تعمد فرض أحوال معيشية. من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيخضع المجتمع الدولي للإرادة الروسية، وتبقى كل تلك التصريحات والمواقف حبرا على ورق وذرا للرماد في العيون، وهروبا من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، ويبقى العالم شاهدا على مأساة الشعب السوري واستهتار روسيا بالقانون الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي صار رهينا للفيتو الروسي.