الكاتب: خالد تركاوي

عندما كنت في مدينة حمص القديمة في عام 2012، اعتقل الثوار عدداً من عناصر ميليشيا الدفاع الوطني التابعة للأسد والمسماة أيضاً “اللجان الشعبية”. وأذهلني حينها أن هؤلاء الأشخاص كانوا سوريين تلقوا جميعاً تدريبات في معسكرات قريبة من طهران العاصمة الإيرانية. في الوقت نفسه كان الضباط الإيرانيون يقدمون الدعم لقوات الدفاع الوطني التابعة للأسد من خلال التدريب الميداني والإشراف على الأعمال العسكرية. على الرغم من أن المشاركة العسكرية الإيرانية في سوريا كانت تركز في البداية على توفير التدريب والدعم اللوجستي والتقني لنظام الأسد، إلا أن العلاقة سرعان ما انتقلت نحو تكامل أعمق للأنظمة العسكرية وإنشاء هياكل عسكرية منفصلة مرتبطة مباشرة بإيران. وقد تجسد ذلك، على سبيل المثال، من قبل الأجانب الذين قدموا إلى سوريا من لبنان وأفغانستان ودول أخرى. ففي عام 2017 عندما تم تهجيرنا من حي الوعر في حمص قطعت قافلتنا – برفقة القوات الروسية – مناطق شمال شرق حمص (وهي منطقة تحت النفوذ الإيراني). فأظهرت وجوه الجنود واللافتات المرفوعة التي رأيناها في تلك المنطقة أنهم أجانب.

يمكن للمرء أيضاً أن يرى النفوذ الإيراني حيث بدأ بعض السنة والعلويين السوريين الذين يخدمون في قوات الأسد بالإشارة إلى تعاليم العقيدة الدينية الشيعية كمبرر أخلاقي وديني وإيديولوجي للحرب الشرسة التي كانوا يشنونها ضد إخوانهم السوريين. بالإضافة إلى التدريب العسكري الذي تلقوه على يد الضباط الإيرانيين، كان هناك تعليم إلزامي لبعض الطلاب من قبل رجال دين من إيران. ولتعزيز موطئ قدمها، بدأت إيران في تجنيد الميليشيات السنية وأدلجتها على مبادئ الأيديولوجية الشيعية الإيرانية أكثر من مجرد تقديم مقاتلين للجهود القتالية الحربية، فقد وفرت هذه الجماعات السنية أساساً أعمق للتحالف والاندماج مع إيران داخل المجتمع السني، مما أضاف رقماً جديداً إلى نجاحات إيران في الفوز على مجموعات من الميليشيات العلوية من أجزاء مختلفة من سوريا.

على الرغم من هذه النجاحات إلا أنه يبدو أن إيران تدرك تماماً أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على مثل هذه الميليشيات كمرساة مستقبلية في سوريا لا سيما بالنظر إلى العمليات الجيوسياسية الأوسع التي تجري في البلاد. نتيجة لذلك بذلت إيران أيضاً جهوداً لتعميق مشاركتها الاجتماعية والاقتصادية في سوريا. ومن الأمثلة على هذا الجهد القروض المفتوحة التي قدمتها إيران لنظام الأسد لتمويل أنشطة “الحكومة ومؤسساتها”. استثمرت إيران بكثافة في البنية التحتية السورية – فالبلد حالياً يخضع لعقود الاستثمار في قطاع الطاقة السوري من خلال بناء محطة كهرباء في اللاذقية على الساحل السوري على بعد أميال قليلة من أوروبا (حيث تبلغ قيمة العقود 400 مليون يورو، مع الإنتاج المتوقع والذي هو 540 ميغاواط من الكهرباء)، هذه المحطة مسؤولة عن إعادة بناء محطات الكهرباء في حمص ودير الزور وحلب. كما تعهد الداعمون الإيرانيون باستثمارات في حقول الفوسفات شرق حمص – بالإضافة إلى مصفاة جديدة في نفس المنطقة – وحقول النفط بالقرب من دير الزور. إضافة إلى ذلك يسعى التجار العراقيون والإيرانيون لشراء المزيد من العقارات داخل دمشق بالإضافة إلى الاستثمار في بساتين المزة وبعض المشاريع الأخرى حول العاصمة. هذا هو القطاع الذي يسيطر فيه حزب الله، أحد حملة الشعلة الرئيسية للفكر الإيراني، على مناطق واسعة على الحدود السورية اللبنانية وداخل الأراضي السورية في كل من دمشق وحمص.

في نهاية العام الماضي أنهت وزارة الإسكان السورية عقداً مع رجال أعمال إيرانيين لبناء 30 ألف وحدة سكنية في دمشق وحمص وحلب فيما تجري مفاوضات لبناء وحدات إضافية في دير الزور وريف دمشق. عملت إيران أيضاً على تأمين موطئ قدم في المنطقة عبر التغلغل بالمجتمعات السورية من خلال بنيتها التحتية الدينية والسياسية. يزور المسؤولون الإيرانيون وكبار الضباط العسكريين بانتظام المسؤولين السوريين المؤثرين لحشد دعمهم للمصالح الإيرانية بتكتيكات مختلفة، منها دعم العطاءات للترقية إلى مناصب حكومية عليا أو حمايتهم من الفصل. ولتوضيح الفكرة مثلاً تم توقيع عقد لاستثمار 5000 هكتار من المناطق الزراعية في المناطق الشرقية. ومن ناحية أخرى، تم عملية ربط غاية في الأهمية وهي أن هذا الاستثمار كان مصحوباً بحملة واسعة من قبل رجال الدين الإيرانيين لجذب السكان السنة وتغيير أيديولوجيتهم الدينية. استخدم “مشروع الهندسة المجتمعية” مجموعة واسعة من الأدوات، بما في ذلك توزيع الطعام والمال، بالإضافة إلى “الدورات” المكثفة من قبل رجال الدين الشيعة.

يبدو أن المجتمع الدولي غير مهتم بهذه العملية. حيث يتركز تعاملهم مع إيران على القدرة النووية الإيرانية، وهي ملف منفصل إلى حد كبير عن الوضع في سوريا. علاوة على ذلك، كان التهجير القسري للسكان السنة والذي الذي لعبت فيه إيران دوراً محورياً، جزءاً هاماً من إنشاء هيكل اجتماعي دائم مؤيد لإيران في سوريا.
بينما تسيطر إيران عملياً على البلاد فنجد أن المعارضة السورية مشغولة بوهم التوصل إلى حل سياسي في ظل الظروف الحالية. والواقع أن المعارضة اختصرت كل رهاناتها بمسودة تعديلات دستورية وإمكانية إجراء انتخابات في سوريا، بينما يتم إبعاد الأغلبية القادرة على التأثير في نتيجة هذه الانتخابات فعلياً من المعادلة. إذا استمرت “إيرنة” سوريا (أي صبغها بالصبغة الإيرانية) بنفس الوتيرة وبنفس التكتيكات فإن عواقب مثل هذا التغيير الديموغرافي في أرضية المجتمع السوري سوف يتردد صداها خارج الحدود.