الكاتب: مازن كسيبي، نادر عثمان

مع اشتداد قصف الأهداف المدنية في شمال سوريا من قبل نظام الأسد والقوات الروسية الداعمة له، تتصاعد المعركة الرئيسية من أجل مستقبل البلاد تحت ضباب الحرب. معركة تتمحور حول حقوق نحو 13 مليون نازح سوري بالعودة إلى ديارهم بأمان وكرامة. إن النازحين واللاجئين على وجه التحديد هم من يمتلكون مفتاح مستقبل البلاد واستقرار المنطقة. وليس المنطقة فقط – ستتأثر آليات العمل السياسية في أوروبا بشكل كبير إذا وصلت موجات أخرى من اللاجئين السوريين إلى شواطئها.

إن رواية انتصار الأسد في الصراع السوري، والتي تتغلغل في الخطاب الدولي تعمل على تقوية الشرعية الزائفة لنظام قتل مئات الآلاف من مواطنيه وطرد الملايين باعتباره السلطة التي من المفترض أن تضمن الآن حقوق العائدين من النزوح!!. لا تعتبر هذه الرواية تحريفاً للحقوق الأساسية المعترف بها دولياً للنازحين فحسب، بل هي إلى جانب ذلك خاطئة بشكل واضح.

ماذا ربح الأسد؟ إن روسيا وإيران ووكلاءهما هم اليوم المالكون الحقيقيون لسوريا وليس نظام الأسد. لا شيء يشهد على ذلك بوضوح مثل حقيقة ما يسمى “انتصار” الأسد في المناطق الواقعة تحت “سيطرة” قواته. إنها مثال واضح على دولة فاشلة وغير شرعية على وشك الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الكامل. إن قرارات النظام السياسية تمليها عليه بالكامل روسيا، في حين أن تغلغل إيران في القطاعات الأمنية والعسكرية والاقتصادية في البلاد وصل إلى مستويات غير مسبوقة.

ليست أسطورة “انتصار” الأسد، ولكن عودة 13 مليون نازح – أكثر من نصف سكان البلاد – هي التي ستحدد مستقبل البلاد وستحدد أي فرصة للاستقرار الدائم. يعرف الأسد ذلك ويحاول بشكل محموم هندسة واقع جديد ديموغرافياً من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك التشريعات المريبة. ومن الأمثلة على ذلك المرسوم سيئ السمعة رقم 66 والقانون رقم 10، والمصممان لتجريد النازحين عملياً من ملكية ممتلكاتهم (خاصة في المناطق التي خرج فيها الناس إلى الشوارع لأول مرة في عام 2011) تحت ستار إعادة الإعمار وإزالة الأنقاض. بمجرد تسوية هذه المناطق بالأرض سيتم تطويرها لإيواء الموالين والمرتزقة، وبالتالي التأثير على التغيير الديموغرافي الدائم والسيطرة.

ومع ذلك، لا الأسد ولا حلفاؤه روسيا وإيران، لديهم أموال لإعادة الإعمار ولكنهم يتطلعون إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره الممول الوحيد القابل للحياة لمثل هذا الجهد الهائل لإعادة الإعمار. شنّت روسيا، ضمن استراتيجيتها التي تركز على الاتحاد الأوروبي، هجوماً دبلوماسياً مستمراً لتشجيع عودة النازحين السوريين إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد، مدعية أن الظروف، بما في ذلك الأمن، موجودة بالفعل. وكما يتضح من الوضع في مخيم الركبان على سبيل المثال، فإن النازحين يعرفون أن الواقع مختلف تماماً.

تعرض السوريون الذين تم الضغط عليهم للعودة من لبنان إلى المناطق التي شهدت “اتفاقات مصالحة” مع النظام السوري (بضمانات روسية) للاعتقال التعسفي والاضطهاد من قبل الأجهزة الأمنية. هناك أدلة واضحة على وفاة العديد من هؤلاء العائدين بعد اعتقالهم من قبل قوات أمن نظام الأسد. في الوقت نفسه، سيتم تجنيد الذكور العائدين قسراً في جيش الأسد وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية الخطرة في أجزاء أخرى من سوريا كوقود للمعارك هناك. شوهدت هذه الممارسات في معظم المناطق التي يسيطر عليها النظام، مما أجبر عدداً أكبر من الشباب السوريين على الفرار من البلاد في الأشهر الأخيرة.

ليس هناك أدنى شك في أن تأمين ظروف حقيقية لعودة آمنة وكريمة لن يكون ممكناً إلا تحت إشراف دولي صارم وبأهداف واضحة. ستكون عواقب الاستمرار في “طريق العودة الروسي” كارثية. من المحتمل جداً أن معظم اللاجئين المقيمين حالياً في لبنان والأردن وتركيا إذا استمر إجبارهم على العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد دون ضمانات دولية مناسبة، سيختارون بدلاً من ذلك المخاطرة بكل شيء والوصول إلى الأمان المتصور في أوروبا.

من ناحية أخرى، إذا كان الوضع الراهن سيستمر إلى أجل غير مسمى، حيث يقيم الملايين في مخيمات في ظروف معيشية مهينة وبدون آفاق للتعليم والتوظيف، فمن المرجح أن تصبح مخيمات اللاجئين أهدافاً مثالية للعديد من الجهات أصحاب الأيديولوجيات الخطيرة والذين لديهم استعداد لتحويل اليأس والإحباط إلى راديكالية. لهذا السبب يجب أن تكون قضية العودة أساس أي جهد للتوصل إلى حل سياسي دائم للصراع السوري. ولا بد من دعوة النازحين واللاجئين السوريين لتحديد تلك الظروف في الواقع.

أولاً وقبل كل شيء يجب أن يكون هناك حل سياسي عملي وقابل للتطبيق مع ضمانات ورعاية دولية. وسيشمل هذا الحل السياسي أحكاماً واضحة بشأن العودة الطوعية والكريمة والآمنة للنازحين واللاجئين إلى ديارهم الأصلية وآليات لمراقبة تطبيقها على مستوى الأمن والحقوق والحريات للنازحين، وخاصة أولئك الذين يراهم النظام على أنهم محسوبون على المعارضة.

لا يمكن أن تتم أي عودة مجدية حتى يتم إجراء تعديلات دستورية تحد من صلاحيات الأجهزة الأمنية بشكل عام، وتحد من سلطة أي حكومة سورية في مقاضاة الأفراد دون الإجراءات القضائية اللازمة والواجبة. يجب الإفراج عن المعتقلين لدى النظام لأسباب سياسية. كما يجب إلغاء القوانين التي أصدرها النظام السوري في السنوات الأخيرة والتي تمنحه الحق في ملاحقة واعتقال المعارضين السياسيين، وكذلك القوانين التي تحرم المواطنين السوريين من ممتلكاتهم ومنازلهم بسبب خلفياتهم السياسية.

يجب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية السورية لضمان التزامها بالحل السياسي والأحكام الدستورية المعدلة، وضمان نزاهتها. ويشمل ذلك إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، ووضع خارطة طريق واضحة بإشراف دولي لبناء جهاز أمني وطني محترف.

هذه فقط بعض الشروط الدنيا لعودة طوعية وآمنة وكريمة يجب إدراجها في جدول أعمال محادثات السلام. وإلى أن يتم الوصول إلى هذا الحد الأدنى يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لتوفير الظروف الإنسانية الأفضل للنازحين واللاجئين في أماكنهم الحالية لمنع العودة القسرية المبكرة وغير الآمنة. وتشمل هذه الشروط وضعهم القانوني، والخدمات الأساسية، فضلاً عن توفير التعليم وفرص العمل. يجدر بنا أن نذكر أنفسنا كيف بدأ كل شيء – انتفض الناس مطالبين بحقوقهم كمواطنين أحرار في بلدهم سوريا. رد الأسد بقمع وحشي وقتل مواطنيه، مما أدى في النهاية إلى حرب أهلية. من يظن أنه بعد كل هذه السنوات – بعد مقتل مئات الآلاف على يد النظام وحلفائه الأجانب، وبعد تهجير أكثر من 13 مليون – اختفت مطالبنا بالحقوق فهو مخطئ جداً. على العكس من ذلك تماماً، فنحن ما عانينا كل هذه المعاناة سواء في سوريا أو في المهجر لنتخلى عن كرامتنا وحقوقنا غير القابلة للتفاوض.

نحن أكثر من 13 مليون، نحن سوريا.