بيروت، 1 كانون الأول 2020 ­ فيما يجتمع المانحون الدوليون في “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني” الذي يهدف إلى دعم لبنان في التغلب على تداعيات الانفجار الأخير المدمر في ميناء بيروت، تدعو الرابطة السورية لكرامة المواطن جميع المعنيين إلى إدراج مصالح وحقوق اللاجئين السوريين في خططهم والعمل على أن تبقى الحكومة اللبنانية ملتزمة بالقانون الدولي لحماية اللاجئين.

سيبقى المهجرون السوريون شاكرين للشعب اللبناني على كرم ضيافتهم ويذكرون العالم بأن لبنان استقبل نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، ولم يتأخر اللاجئون السوريون عن التعبير عن شكرهم وامتنانهم وكانوا في طليعة الأطراف المبادرة المساهمة بالعمل على إنقاذ الأبرياء والاستجابة لمأساة انفجار بيروت. لكننا قلقون للغاية من التصريحات والمؤشرات الأخيرة الصادرة عن الحكومة اللبنانية بشأن خطة العودة المبكرة إلى  المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري دون تحقيق شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة.

المصدر الأول لقلقنا هو وثيقة وزعتها الحكومة اللبنانية بتاريخ 15 تموز من العام الجاري بعنوان “السياسة العامة لعودة النازحين”. جاءت الورقة نتيجة مشاورات ومناقشات داخل الحكومة اللبنانية، حيث تضع هذه الوثيقة اللاجئين السوريين في موقف يواجهون فيه بشكل أساسي خيارًا بين العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام التي فروا منها في المقام الأول، أو محاولة الفرارإلى دولة ثالثة. تعتبر الورقة من قبل معظم المنظمات الحقوقية دليلاً واضحًا على تجاوز الحكومة اللبنانية جميع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق النازحين والاتفاقيات التي حددت حتى الان طريقة تقديم المساعدة للاجئين السوريين على وجه التحديد.

إنه لمن المقلق للغاية أن تعتبر الحكومة اللبنانية أن “الوضع الأمني في سوريا قد تحسن، وأنّ معظم سوريا أصبحت آمنة”، في حين أن النظام السوري في واقع الأمر لم يتخلى عن ممارساته القمعية المتمثلة في الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري والتشريعات والمراسيم التمييزية بشأن السكن والأرض والملكية، ناهيك عن الاختفاء القسري والقتل غير القانوني والتعذيب. هناك أدلة وافرة قدمتها رابطة كرامة والعديد من المنظمات الأخرى على استمرار مثل هذه الممارسات حتى الآن في جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

بالإضافة إلى ذلك، في 19 تشرين الثاني 2020، حكمت محكمة العدل الأوروبية بأن رفض أداء الخدمة العسكرية في سوريا يمنح المنشقين حق الاعتراف بهم كلاجئين. جاء هذا القرار على أساس أن من يرفضون أداء الخدمة العسكرية في صفوف النظام السوري قد يُنظر إليهم على أنهم معارضون للنظام، وبالتالي قد يواجهون الاضطهاد عند عودتهم. وعلى الرغم من ذلك فقد تم رصد حالات تسليم لسوريين فارين من التجنيد الاجباري من قبل الحكومة اللبنانية إلى النظام السوري، وهو أمر يخالف المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتي تنص على أنه لا يجوز لأي دولة أن تطرد أو تعيد أو تسلم أي شخص إلى دولة أخرى إذا كانت هناك أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيتعرض لخطر التعذيب.”

نذكر بأنّ مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هي “الوصي” على اتفاقية عام 1951 وبروتوكول عام 1967. وبالتالي، فإن المسؤولية تقع على عاتق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين لضمان وجود الآليات الدولية ذات الصلة لمنع الحكومة اللبنانية من تنفيذ الخطة من وثيقتها، حتى ولو أن دولة لبنان لم توقع على اتفاقية 1951 إلا أنها يجب أن تلتزم بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي بما يخص العودة القسرية.

إن خطة العودة اللبنانية للاجئين السوريين تنتهك المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحمي اللاجئين من العودة القسرية وتجرم أي محاولات لإجبار اللاجئين على العودة إلى البلد الذي فروا منه، بينما لا يزال الطرف المنتهك لحقوق الإنسان في السلطة. المؤتمر الذي سيقعد غدا هو فرصة لتذكير الحكومة اللبنانية بواجبها في احترام والالتزام بالقانون الدولي فيما يتعلق بحقوق اللاجئين.

على الحكومة اللبنانية أن تعيد تقييمها للوضع الأمني في سوريا وأن تشرح على أي أساس تدعي وجود بيئة آمنة. في المقابل، يجب على المجتمع الدولي، وخاصة فرنسا والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يكونوا حازمين بشأن التزامهم بمبادئ حماية اللاجئين. يجب أن تكون أي مساعدة يتم التعهد بها في مؤتمر الغد مشروطة بالاحترام الكامل للقانون الدولي وحقوق اللاجئين الخاضعين لسلطة الحكومة اللبنانية.

نذكر كل المشاركين في المؤتمر أن اللاجئين السوريين يشاطرون أشقاءهم من اللبنانيين الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد، ونود في هذه المناسبة التأكد من جديد على ضرورة وضع آليات صحيحة وفعالة لضمان وصول المساعدات المخصصة للاجئين السوريين إليهم بشكل مباشر، حيث أن هذه الخطوة ستساعد في منع حدوث عودة قسرية عند الكثير من اللاجئين السوريين الذين يضطرون أحيانا للعودة إلى سوريا بسبب الضغط المعيشي.

تؤكد الرابطة السورية لكرامة المواطن من جديد أن تأمين البيئة الآمنة وفق رؤية السوريين المهجرين هو الطريق الوحيد لتأمين شروط العودة الأمنة والطوعية والكريمة، وهذه البيئة لا يمكن أن يتم تحقيقها دون حل سياسي شامل ومستدام وبضمانات دولية حقيقية.

صورة الغلاف: يشرف عناصر من مديرية الأمن العام اللبناني على لاجئين سوريين يستقلون حافلة لنقلهم إلى سوريا ، في ضاحية برج حمود شمال بيروت في لبنان، الخميس 24 كانون الثاني 2019. 

©️ بلال الحسين 2019 AP photo