زكريا زكريا – رابطة كرامة

خلال الأيام الماضية رأينا صوراً للعديد من العائلات تمرُّ بظروف عصيبة على الحدود بين بولندا وروسيا البيضاء؛ كثير من هذه العائلات من سوريا. كما لا يزال الكثير من السوريين من بين من يحاولون عبور البحر المتوسط بطرق غير آمنة ورغم اشتداد برودة الطقس. فيما يكافح الملايين من السوريين في البلاد المجاورة ويعانون من الإذلال والفقر لا لشيء؛ ولكن فقط لتجنب العودة لسوريا.

بينما يحاول النظام السوري وداعموه ومنذ أكثر من سنة تمرير الادعاء بأن سوريا أصبحت آمنة –وبعض وكالات السفر الأوروبية بدأت تعرض حجوزات لرحلات السنة القادمة، بعد أن بدأ النظام إصدار تأشيرات سياحية في شهر تشرين الأول- فإن دولاً عديدة ترى بأن ذلك أصبح واقعاً. وبينما لا تزال ألمانيا تطالب مواطنيها بالخروج من سوريا؛ فإن دولاً أخرى مثل الدنمارك أعلنت أن سوريا أصبحت آمنة للعودة على الرغم من تواصل الانتقادات لها بهذا الشأن.

دعمت روسيا مؤتمراً عقد في دمشق العام الماضي بهدف تشجيع وتسهيل عودة ملايين اللاجئين والذين لم يظهر منهم أي إشارات برغبتهم بالعودة في الواقع. ولم تُدعَ إلى هذا المؤتمر الدولة التي تحوي العدد الأكبر من السوريين وهي تركيا.

رفض الاتحاد الأوروبي الحضور، وأشار كبير دبلوماسييه جوزيب بوريل إلى أن: “الأولوية في الوقت الحاضر هي العمل الحقيقي لتهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والأشخاص المهجرين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية”. ومع ذلك، فإن الكثير من السوريين لا يأملون في العودة في أي وقت قريب.

يستمر إصدار مذكرات توقيف دولية بحق عناصر النظام السوري، الذين يواصلون الانخراط في الأعمال التي أدت إلى إصدار هذه المذكرات في المقام الأول.

لم يتوقف الاعتقال التعسفي. كما أن الفساد والرشاوى المطلوبة عند حواجز التفتيش ومعرفة مكان نقل أقاربهم لم يتم أيضاً. ولا الاختفاءات، والتعذيب. لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خارج سيطرة حكومة النظام المركزية، وبعضها لا يزال يتعرض للقصف من قبل كل من النظام السوري وروسيا: مثل إدلب، حيث يعيش ملايين النازحين في ظروف سيئة، ولكنهم مرة أخرى على استعداد لتحمل الكثير لتجنب إعادتهم إلى “الأمان” في دمشق أو مناطق أخرى تحت سيطرة نظام بشار الأسد. حيث قتل في 11 من شهر تشرين الثاني 5 مدنيين من عائلة واحدة منهم ثلاثة أطفال بهجوم شنه النظام على مزرعة مدنية في إدلب.

فقد وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير أعدته الباحثة نادية هارمان 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي؛ و13 حالة تعذيب؛ وثلاثة حالات اختطاف؛ وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء و17 حالة اختفاء قسري وحالة عنف جنسي، من ضمن 65 حالة عودة لمناطق النظام من دول مختلفة.

وأشار التقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش الصادر في أكتوبر / تشرين الأول إلى أن: “قيود الوصول التي فرضتها الحكومة السورية منعت مفوضية الأمم المتحدة UNHCR من تنفيذ نوع آلية مراقبة العودة التي تعمل في حالات إنسانية أخرى (…) الخوف من المراقبة الحكومية وعدم وجود اتصال ثابت بالإنترنت بسبب انقطاع التيار الكهربائي، يعني أن العديد من العائدين لا يبلغون أو لا يستطيعون الإبلاغ عن حقيقة وضعهم عندما يعودون إلى سوريا “.

لا يستطيع السوريون التحدث بصدق عن وضعهم ما يعرضهم جميعاً للخطر.

بعد إصدار التقرير الرابع والعشرين للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا في جنيف في 14 أيلول، صرح رئيس اللجنة باولو بينيرو بأن: “بعد مرور عقد من الزمان، تواصل أطراف النزاع ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية للسوريين. الحرب على المدنيين السوريين مستمرة”. وأضاف أن “حوادث الاعتقال التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي من قبل القوات الحكومية مستمرة بلا هوادة. واصلت اللجنة توثيق ليس فقط التعذيب والعنف الجنسي أثناء الاحتجاز، ولكن أيضًا حالات الوفاة أثناء الاحتجاز والاختفاء القسري “. لم تتحدث منظمة العفو الدولية بأي كلمات في عنوان تقريرها الصادر في سبتمبر / أيلول المعنون “أنتم ذاهبون إلى موتكم، انتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا”. وقال التقرير إن المنظمة “وثقت 59 حالة احتجاز غير قانوني أو تعسفي لرجال ونساء وأطفال من بين 66 شخصًا واجهوا انتهاكات عند عودتهم من الخارج. وكان من بين المعتقلين امرأتان حامل وعشرة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أسابيع و16 سنة، سبعة منهم في الرابعة من العمر أو أقل “.

وأضافت أن: “ضباط الأمن اعتقلوا العائدين لأسباب مختلفة، في أغلب الأحيان بناء على اتهامات فضفاضة بـ” الإرهاب “، غالبًا لأنهم يفترضون أن أحد أقاربهم كان منتميًا إلى المعارضة السياسية أو المعارضة المسلحة أو لأن العائدين كانوا من منطقة كانت في السابق تحت سيطرة المعارضة “.

وبالتالي، يبدو واضحًا أن أي شخص كان لديه سبب للفرار من قبل خوفًا من الخطر على حياته لا يزال في خطر محدق.

على الرغم من الدعاية الروسية التي تروج لسوريا الآمنة، فإن العائدين قد “يختفون” ببساطة إذا قالوا هم أو أقاربهم شيئاً لا يرضي السلطات، لذلك لا يمكن اعتبار سوريا آمنة حالياً ولا في أي وقت قريب.

صورة الغلاف:”تدمير مناطق مدنية في مخيم اليرموك بدمشق سوريا”. (رويترز)